شئنا لصرفناه عنكم إلى السباخ والبراري والقفار لفعلنا، ولو شئنا لجعلناه أجاجًا لا ينتفع به لشرب ولا لسقي لفعلنا، ولو شئنا لجعلناه لا ينزل في الأرض بل ينجر على وجهها لفعلنا، ولو شئنا لجعلناه إذا نزل فيها يغور إلى مدى لا تصلون إليه ولا تنتفعون به لفعلنا، ولكن بلطفه ورحمته ينزل عليكم الماء من السحاب عذبًا فراتًا زلالًا، فيسكنه في الأرض ويسلكه ينابيع في الأرض، فيفتح العيون والأنهار، فيسقي به الزروع والثمار، وتشربون منه ودوابكم وأنعامكم، وتغتسلون منه وتتطهرون وتتنظفون، فله الحمد والمنة.
وقوله: ﴿فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾، يعني: فأخرجنا لكم بما أنزلنا من السماء، ﴿جَنَّاتٍ﴾ أي: بساتين ﴿حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾، أي: ذات منظر حسن.
وقوله: ﴿مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾، أي: فيها نخيل وأعناب، وهذا ما كان يألف أهل الحجاز، ولا فرق بين الشيء وبين نظيره، وكذلك في حق كل أهل إقليم، عندهم من الثمار من نعمة الله عليهم ما يعجزون عن القيام بشكره.
وقوله: ﴿لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ﴾، أي: من جميع الثمار، كما قال: ﴿يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ وقوله [١]: ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ كأنه معطوف على شيء مقدر، تقديره: تنظرون إلى حسنه ونضجه، ومنه تأكلون.
وقوله: ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَينَاءَ﴾، يعني: الزيتونة. والطور: هو الجبل، وقال بعضهم: إنما يسمى طورًا إذا كان فيه شجر، فإن عري عنها سمي جبلًا لا طورًا، واللَّه أعلم. وطور سيناء: هو طور سينين، وهو الجبل الذي كُلِّم عليه موسى بن عمران ﵇، وما حوله من الجبال التي فيها شجر الزيتون.
وقوله: ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ قال بعضهم: الباء زائدة، وتقديره: تنبت الدهن، كما في قول العرب: ألقى فلان بيده، أي: يده. وأما على قول من يضمن الفعل فتقديره: تخرج بالدهن، أو تأتي بالدهن؛ ولهذا قال: ﴿وَصِبْغٍ﴾، أي: أدم، قاله قتادة، ﴿لِلْآكِلِينَ﴾، أي: فيها ما ينتفع به من الدهن والاصطباغ.
كما قال الإِمام أحمد (٢٩): حدثنا وكيع، عن عبد اللَّه بن عيسى، عن عطاء الشامي، عن أبي أسيد -واسمه مالك بن ربيعة الساعدي الأنصاري- قال: قال رسول اللَّه ﷺ: "كلوا الزيت وادهنوا به، فإنة من شجرة مباركة".
(٢٩) المسند (٣/ ٤٩٧) (١٦١٠١). وهو حديث صحيح - إسناده ضعيف. عطاء الشامي الأنصاري: قال الحافظ في التقريب: مقبول، من الرابعة. ت س. =