للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتفهمها، والعمل بمقتضاها آناء الليل وأطراف النهار، كما فعله النجباء منهم ممن أسلم واتبع الرسول ورضي عنهم.

وقال قتادة: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾: إذًا والله يجدون في القرآن زاجرًا عن معصية الله لو تدبره القوم وعقلوه، ولكنهم أخذوا بما تشابه به فهلكوا عند ذلك.

ثم قال منكرًا علي الكافرين من قريش: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾، أي: أَفَهُم [١] لا يعرفون محمدًا وصدقه وأمانته وصيانته التي نشأ بها فيهم؟ أي: أفيقدرون علي إنكار ذلك والمباهتة فيه؟ ولهذا قال جعفر بن أبي طالب للنجاشي ملك الحبشة: أيها الملك؛ إن الله بعث إلينا رسولًا نعرف نسبه وصدقه وأمانته.

وهكذا قال المغيرة بن شعبة لنائب كسري حين بارزهم. وكذلك قال أبو سفيان صخر بن حرب لملك الروم هرقل، حين سأله وأصحابه عن صفات النبي ونسبه وصدقه وأمانته، وكانوا بعد كفارًا لم يسلموا، ومع هذا ما أمكنهم إلا الصدق فاعترفوا بذلك.

وقوله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ﴾ يحكي [٢] قولَ المشركين عن النبي أنه تقوّل القرآن، أي: افتراه من عنده، أو أن به جنونًا لا يدري ما يقول، وأخبر عنهم أن قلوبهم لا تؤمن به، وهم يعلمون بطلان ما يقولونه في القرآن، فإنه قد أتاهم من كلام الله ما لا [يطاق ولا] [٣] يدافع، وقد تحداهم وجميع أهل الأرض أن يأتوا بمثله، فما استطاعوا ولا يستطعون أبد الأبدين؛ ولهذا قال: ﴿بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ يحتمل أن تكون هذه جملة حالية، أي: في حالة [٤] كراهة أكثرهم للحق، ويحتمل أن تكون خبرية مستأنفة، والله أعلم.

وقال قتادة: ذكر لنا أن نبيَّ الله لقي رجلًا فقال له: "أسلم". فقال الرجل: إنك لتدعوني إلى أمر أنا له كاره. فقال نبي الله : "وإن كنت كارهًا". وذكر لنا أنه لقي رجلًا فقال له: "أسلم". فتصعَّده ذلك وكَبُرَ عليه، فقال له نبي الله : "أرأيت لو كنت في طريق وعْر وعْث، فلقيت رجلًا تعرف وجهه وتعرف نسبه، فدعاك إلى طريق واسع سهل [٥]، أكنت متَّبِعه؟ ". قال: نعم. فقال: "فوالذي [٦] نفس محمد بيده، إنك لفي أوعر من


[١]- في ز: فهم.
[٢]- في ز، خ: "علي".
[٣]- بياض في ز.
[٤]- في ز: جال.
[٥]- في ت: أسهل.
[٦]- في ز: والذي.