للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يخبر تعالى عن تعنّت الكفار وعنادهم، وتكذيبهم للحق بلا حجة ولا دليل منهم، وإنما تعللوا بقولهم [١]: ﴿مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ﴾، يعنون: كما نأكله، ويحتاج إليه كما نحتاج [إليه] [٢]، ﴿وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ﴾، أي: يتردد فيها وإليها طلبًا للاكتساب [٣] والتجارة، ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾، يقولون: هلا أنزل إليه ملك [٤] من عند الله، فيكون له شاهدًا على صدق ما يدعيه! وهذا كما قال فرعون: ﴿فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيهِ أَسْورَةٌ [٥] مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ﴾. وكذلك قال هؤلاء على السواء، تشابهت قلوبهم، ولهذا قالوا: ﴿أَوْ يُلْقَى إِلَيهِ كَنْزٌ﴾، أي: علم كنز [يكون] [٦] ينفق منه، ﴿أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا﴾، أي: تسير معه حيث سار. وهذا كله سهل يسير على الله، ولكن له الحكمة في ترك ذلك، وله الحجة البالغة. ﴿وَقَال الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إلا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾. قال الله تعالى: ﴿انْظُرْ كَيفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَال فَضَلُّوا﴾ أي: جاءوا بماذا [٧] يقذفونك [] [٨]، ويكذبون به عليك، من قولهم "ساحر، مسحور، مجنون، كذاب، شاعر"، وكلها أقوال باطلة، كل أحد ممن له أدنى فهم وعقل يعرف كذبهم وافتراءهم في [٩] ذلك، ولهذا قال: ﴿فَضَلُّوا﴾ أي [١٠]: عن طريق الهدى، ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾، وذلك لأن كل من خرج عن الحق، فإنه ضال حيثما [١١] توجه، لأ الحق واحد ومنهج [١٢] متحد، يصدّق بعضه بعضًا.

ثم قال تعالى مخبرًا نبيه، أنه لو [١٣] شاء لآتاه خيرًا مما يقولون في الدنيا، وأفضل وأحسن، فقال: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا﴾.

قال مجاهد: يعني في الدنيا، قال: وقريش يسمون كل بيت من حجارة قصرًا، سواء كان كبيرًا أو صغيرًا.

وقال سفيان الثوري (٣)، عن حبيب بن أبي ثابت، عن خيثمة، قيل للنبي : إن شئت أن نعطيك خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم يُعْطَ [١٤] نبيّ قبلك، ولا


(٣) تفسير الطبري (١٨/ ١٤٠).