للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الريح؟ فهو ذلك الورق.

وقال عبد الله بن وهب: أخبرني عاصم بن حكيم، عن أبي سريع الطائي، عن [عَبيد بن تِعْلى] [١] قال: وإن الهباء الرماد.

وحاصل هذه الأقوال التنبيه على مضمون الآية، وذلك أنهم عملوا أعمالًا اعتقدوا أنها شيء، فلما عرضت على الملك الحكيم العدل، الذي لا يجور، ولا يظلم أحدًا، إذا إنها لا شيء بالكلية. وشبهت في ذلك بالشيء التافه الحقير المتفرق، الذي لا يقدر منه صاحبه على شيء بالكلية، كما قال الله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾ وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا﴾ إلى قوله ﴿لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيءٍ مِمَّا كَسَبُوا﴾. وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيئًا﴾ وتقدم الكلام على تفسير ذلك، ولله الحمد والمنة [٢].

وقوله تعالى: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾ أي: يوم القيامة لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة، أصحاب الجنة هم الفائزون] [٣] وذلك لأن [٤] أهل الجنة يصيرون إلى الدرجات العاليات، والغرفات الآمنات، فهم في مقام أمين، حسن المنظر، طيب المقام ﴿خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾، وأهل النار يصيرون إن الدركات السافلات، والحسرات المتتابعات، وأنواع العذاب والعقوبات ﴿إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾، أي: بئس المنزل منظرًا، وبئس المقيل مقامًا، ولهذا قال تعالى: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾، أي: بما عملوه من الأعمال المتقبلة، نالوا ما نالوا، وصاروا إلى ما صاروا إليه، بخلاف أهل النار فإنه [٥] ليس لهم عمل واحد يقتضي لهم دخول الجنة والنجاة من النار، فَنبه [تعالى] بحال السعداء على حال الأشقياء، وأنه لا خير عندهم بالكلية، فقال تعالى: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾. قال الضحاك، عن ابن عباس: إنما هي ضحوة، فيقيل أولياء الله على الأسِرّة مع الحور العين، ويقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين.

وقال سعيد بن جبير: يفرغ الله من الحساب نصف النهار، فيقيل أهل الجنة في الجنة،


[١]- ما بين المعكوفتين في ز، خ: "عبيد بن يعلى" وحرف، تعلى يعلى. وترجمته في تهذيب الكمال [١٩/ ١٩٠]، والجرح والتعديل [٥/ ٤٠٢].
[٢]- سقط من: خ، ز.
[٣]- ما بين المعكوفتين سقط من: ت.
[٤]- في ت: "أن".
[٥]- في ت: "فإنهم".