للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دَلِيلًا (٤٥) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَينَا قَبْضًا يَسِيرًا (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (٤٧)

من ها هنا شرع في بيان الأدلة الدالة على وجوده وقدرته التامة على خلق الأشياء المختلفة والمتضادة فقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾. قال ابن عبَّاس، وابن عمر، وأَبو العالية، وأَبو مالك، ومسروق، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، والضحاك، والحسن البصري، وقَتَادة، والسّدى وغيرهم: هو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ أي: دائمًا لا يزول؛ كما قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيكُمُ اللَّيلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾، ﴿قُلْ أَرَأَيتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾.

وقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ أي: لولا أن الشمس تطلع عليه لما عرف، فإن الضد لا يعرف إلَّا بضده.

وقال قَتَادة، والسُّديّ: دليلًا يتلوه ويتبعه حتَّى يأتي عليه كله.

وقوله: ﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَينَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾ أي: الظل. وقيل: الشمس. ﴿إِلَينَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾ أي: سهلًا - قال ابن عبَّاس: سريعًا. وقال مجاهد: خفيفًا. وقال السُّديّ: قبضًا خفيًّا، حتَّى لا يبقى في الأرض ظل إلَّا تحت سقف أو تحت شجرة، وقد أظلت الشمس ما فوقه.

وقال أيوب بن موسى: ﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَينَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾. أي: قليلًا قليلًا.

وقوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيلَ لِبَاسًا﴾، أي: يلبس الوجود ويُغَشّيه، كما قال: ﴿وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَى﴾، وقال: ﴿وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾.

﴿وَالنَّوْمَ سُبَاتًا﴾، أي: قَطْعًا للحركة لراحة الأبدان، فإن الأعضاء والجوارح تَكل من كثرة الحركة في الانتشار بالنهار في المعايش، فإذا جاء الليل وسكن سكنت الحركات، فاستراحت فحصل النوم الذي فيه راحة البدن والروح معًا.

﴿وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا﴾، أي: يتنشر [١] الناسُ فيه لمعايشهم ومكاسبهم وأسبابهم، كما


[١]- في ز، خ: "ينشر".