وهذا أيضًا من قدرته التامة وسلطانه العظيم، وهو أنَّه تعالى يرسل الرياح مبشرات. أي: بمجيء السحاب بعدها، والرياح أنواع، في صفات كثيرة من التسخير، فمنها ما يثير السحاب، ومنها ما تحمله [١]، ومنها ما تسوقه [٢]، ومنها ما يكون بين يدي السحاب مبشرًا، ومنها ما يكون قبل ذلك يقُمّ الأرض، ومنها ما يلقح السحاب ليمطر، ولهذا قال: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾. أي: آلة يتطهر بها، كالسُّحُور والوقود [٣] وما جرى مجراه. هذا [٤] أصح ما يقال في ذلك.
وأما من قال: إنه فعول بمعنى فاعل؛ أو: إنه مبني للمبالغة أو التعدي، فعلى كل منهما إشكالات من حيث اللغة والحكم، ليس هذا موضعَ بسطها، والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم: حدَّثنا أبي، حدَّثنا عمر بن حفص بن غياث، حدَّثنا أبي، عن أبي جعفر الرازي، حدثني حُميد الطويل، عم، ثابت البُنَاني؛ قال: دخلت مع أبي العالية في يوم مطر، وطرق البصرة قَذرة، فصلى؛ فقلت له [٥]، فقال: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾. قال: طهره ماء السماء.
وقال أيضًا: حدَّثنا أبي، حدَّثنا أَبو سلمة، حدَّثنا وُهَيب، عن داود، عن سعيد بن المسيب في هذه الآية: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ لا ينجسه شيء.
وعن أبي سعيد قال (١٦): قيل: قيل يا رسول الله؛ أنتوضأ من بئر بضاعة؟ -وهي بئر يلقى فيها النتن ولحومُ الكلاب- فقال:"إن الماء طهور لا ينجسه شيء". رواه الشَّافعي، وأحمد
(١٦) الأم للشافعي (١/ ٩)، والمسند (٣/ ١٥)، وأخرجه النَّسائي -كتاب المياه، باب: "ذكر بئر بضاعة"- (١/ ١٧٤). والطحاوي في شرح معاني الآثار - (١/ ١٢). وأَبو يعلى في مسنده - (١٣٠٤) - (٢/ ٤٧٦). والبيهقي في الكبرى -كتاب الطهارة، باب: الماء الكثير لا ينجس بنجاسة تحدث فيه =