للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أم هانئ -أخت علي بن أبي طالب- قالت: قال لي النبي "أخبرك أن الله -تعالى- يجمع الأولين والآخرين يوم القيامة في صعيد واحد، فمن يدري أين الطرفان [١]؟ فقالت: الله ورسوله أعلم. ثم ينادي مناد من تحت العرش: يا أهل التوحيد، فيشرئبون -قال أبو عاصم: يرفعون رءوسهم- ثم ينادي: يا أهل التوحيد. ثم ينادي الثالثة: يا أهل التوحيد، إن الله قد عفا عنكم. قال: فيقوم الناس قد تعلق بعضهم ببعض في ظُلامات الدنيا -يعني: المظالم- ثم ينادي: يا أهل التوحيد، ليعف [٢] بعضكم عن بعض وعلي الله الثواب".

﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَال إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَينَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧)

يقول تعالى مخبرًا عن إبراهيم: إنه آمن له لوط، يقال: إنه ابن أخي إبراهيم، يقولون هو: لوط بن هاران بن آزر يعني: ولم يؤمن به من قومه سواه، وسارة امرأة الخليل. لكن يقال: كيف الجمع بين هذه الآية، وبين الحديث الوارد في الصحيح (٩): " أن إبراهيم حين مرّ علي ذلك الجبار، فسأل إبراهيم عن سارة: ما هي منه؟ فقال: أختي. ثم جاء إليها فقال لها: إني قد قلت له: إنك أختي فلا تكذبيني، فإنه ليس علي وجه الأرض مؤمن غيرك وغيري، فأنت أختي في الدين". وكأن المراد من هذا -والله أعلم- أنه ليس علي وجه الأرض زوجان على الإسلام غيري وغيرك، فإن لوطًا آمن به من قومه، وهاجر معه إلي بلاد الشام، ثم أرسل في حياة الخليل إلي أهل "سَدُوم" وإقليمها، وكان من أمرهم [٣] ما تقدم وما سيأتي.

وقوله: ﴿وَقَال إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾، يحتمل عود الضمير في قوله ﴿وَقَال﴾ علي لوط، لأنه أقرب المذكورين، ويحتمل عوده إلي إبراهيم- قال ابن عباس والضحاك: هو المكنى عنه بقوله: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ أي: من قومه ثم أخبر عنه بأنه اختار المهاجرة من بين أظهرهم، ابتغاء إظهار الدين والتمكن من ذلك، ولهذا قال: ﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ﴾ أي: له العزة ولرسوله وللمؤمنين به، ﴿الْحَكِيمُ﴾ في أقواله وأفعاله وأحكامه القدرية والشرعية.

وقال قتادة: هاجرا جميعًا من "كوثي" وهي من سواد الكوفة إلي الشام. قال: وذُكرَ لنا


= "فيه أبو عاصم -الربيع بن إسماعيل- منكر الحديث، قاله أبو حاتم".
(٩) صحيح مسلم حديث (٢٣٧١).