يخبر تعالى عن هؤلاء الأمم المكذبة للرسل كيف أبادهم وتنوع في عذابهم، فأخذهم بالانتقام منهم، فعاد قوم هود، وكانوا يسكنون الأحقاف وهي قريبة من حضرموت ببلاد اليمن، وثمود قوم صالح وكانوا يسكنون الحجر قريبًا من وادي القرى، وكانت العرب تعرف مساكنهما جيدًا، وتمر عليها كثيرًا. وقارون صاحب الأموال الجزيلة ومفاتيح الكنوز الثقيلة. وفرعون ملك مصر في زمان موسى ووزيره هامان القبطان الكافران بالله ورسوله، ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ﴾، أي: كانت عقوبته بما يناسبه، ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيهِ حَاصِبًا﴾، وهم عاد، وذلك أنهم قالوا: من أشد منا قوة؟!! فجاءتهم ريح صرصر باردة شديدة البرد، عاتية شديدة الهبوب جدًّا، تحمل عليهم حصباء الأرض فتقلبها عليهم، وتقتلعهم من الأرض فترفع الرجل منهم إلى عَنَان السماء ثم تنكسه علي أم رأسه فتشدخه فيبقى بدنًا بلا رأس كأنهم أعجاز نخل منقعر. ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيحَةُ﴾، وهم ثمود، قامت عليهم الحجة وظهرت لهم الدلالة، من تلك الناقة التي انفلقت عنها الصخرة، مثل ما سألوا سواء بسواء ومع هذا ما آمنوا بل استمروا على طغيانهم وكفرهم، وتهددوا نبيَّ الله صالحًا ومن آمن معه، وتوعّدوهم بأن يخرجرهم ويرجموهم، فجاءتهم صيحة أخمدت الأصوات منهم والحركات. ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ﴾، وهو قارون الذي طغى وبغى وعتا وعصى الرب الأعلى، ومشى في الأرض مرحًا وفرح ومرح وتاه بنفسه، واعتقد أنه أفضل من غيره، واختال في مشيته فخسف الله به وبداره الأرض، فهو يتجلجل فيها إلي يوم القيامة. ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا﴾، وهم فرعون ووزيره هامان، وجنوده عن آخرهم، أغرقوا في صبيحة واحدة، فلم ينج منهم مخبر، ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾، أي: فيما فعل بهم، ﴿وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾، أي: إنما [فعل] ذلك بهم جزاءً وفاقًا بما كسبت أيديهم.
وهذا الذي ذكرناه ظاهر سياق الآية، وهو من باب اللف والنشر وهو أنه ذكر الأمم المكذبة، ثم قال: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ﴾، أي: من هؤلاء المذكورين، وإنما نبهتُ علي هذا لأنه قد روي أن ابن جُريج [١] قال: قال ابن عباس في قوله: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيهِ حَاصِبًا﴾، قال: قوم لوط. ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا﴾ قال: قوم نوح. وهذا منقطع عن ابن عباس؛ فإن ابن جريج لم يدركه. ثم قد ذكر الله في هذه السورة إهلاك قوم نوح بالطوفان، وقوم لوط