للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (٥٨) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠)

هذا أمر من اللَّه لعباده المؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين، إلى أرض اللَّه الواسعة، حيث يمكن إقامة الدين، بأن يوحدوا اللَّه ويعبدوه كما أمرهم، ولهذا قال: ﴿يَاعِبَادِيَ [الَّذِينَ آمَنُوا] [١] إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾.

قال الإِمام أحمد (٤٢): حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا بقية بن الوليد، حدثني جُبير بن عمرو القرشي، حدثني أبو سعد الأنصاري، عن أبي يحيى مولى الزبير بن العوام، عن الزبير العوام قال: قال رسول اللَّه : "البلاد بلاد اللَّه والعباد عباد اللَّه، فحيثما أصبت خيرًا فأقم". ولهذا لما ضاق على المستضعفين بمكة مقامهم بها، خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة ليأمنوا على دينهم هناك، فوجدوا هناك خير المنزلين، أصحمة النجاشي ملك الحبشة آواهم وأيدهم بنصره، وجعلهم سُيُومًا [٢] (*) ببلاده، ثم بعد ذلك هاجر رسول اللَّه وأصحابه الباقون إلى المدينة النبوية يثرب المطهرة.

ثم قال: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَينَا تُرْجَعُونَ﴾، أي: أينما كنتم يدرككم الموت، فكونوا في طاعة اللَّه وحيث أمركم اللَّه، فهو خير لكم، فإن الموت لا بد منه، ولا محيد عنه، ثم إلى اللَّه الرجع، فمن كان مطيعًا له جازاه أفضل الجزاء، [ووفاه تمام] [٣] الثواب؛ ولهذا قال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾، أي: لنسكننهم [٤] منازل عالية في الجنة تجري من تحتها الأنهار على اختلاف أصنافها، من ماء وخمر، وعسل ولبن، يصرفونها ويجرونها حيث شاءوا. ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾، أي: ماكثين فيها أبدًا لا يبغون عنها حولًا ﴿نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ نعمت هذه الغرُف أجرًا على أعمال المؤمنين ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ أي: على دينهم وهاجروا إلى اللَّه، ونابذوا


(٤٢) المسند (١/ ١٦٦)، وقال الهيثمي في المجمع (٤/ ٧٢): "فيه جماعة لم أعرفهم".
(*) - أي: آمنين، وهي كلمة حبشية، وتُروى بفتح السين. وقيل: سيوم: جمع صائم، أي تسومون في بلدي كالغنم السائمة لا يعارضكم أحد (النهاية ٢/ ٤٣٤، ٤٣٥).