الطريق، وخاف أن يكون قد [١] مكر به، حتى أتاه عيونه أنه ليس معه إلا خمسون رجلًا. ثم بسط لهما والتقيا في قبة ديباج ضربت لهما مع كل واحد منهما سكين، فدعيا تَرْجُمَانًا بينهما، فقال شهربراز: إن [٢] الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا، وإن كسرى حَسَدنا، وأراد أن أقتل أخي فأبيت، ثم أمر أخي أن يقتلني. وقد خلعناه [٣] جميعًا فنحن نقاتله معك. قال: وقد [٤] أصبتما. ثم أشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين فإذا جاوز اثنين فشا. قال: أجل. فقتلا الترجمان جميعًا بسكينيهما، فأهلك اللَّه كسرى، وجاء الخبر إلى رسول اللَّه ﷺ يوم الحديبية ففرح والمسلمون معه.
فهذا سياق غريب، وبناء عجيب. ولنتكلم على كلمات هذه الآيات الكريمة:
فقوله تعالى: ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ﴾، قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور، في أول سورة البقرة، وأما الروم فهم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم، وهم أبناء عم بني إسرائيل ويقال لهم: بنو الأصفر. وكانوا على دين اليونان، واليونان من سلالة يافث بن نوح أبناء عم الترك. وكانوا يعبدون الكواكب السيارة السبعة، ويقال لها: المتحيرة، ويصلون إلى القطب الشمالي، وهم الذين أسسوا دمشق، وبنوا معبدها، وفيه محاريب إلى جهة الشمال، فكان الروم على دينهم إلى بعد مبعث المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة، وكان من ملك الشام مع الجزيرة منهم يقال له: قيصر. فكان أول من دخل في دين النصارى من الملوك قسطنطين بن قسطس، وأمه مريم الهيلانية الشدقانية من أرض حران، كانت قد تنصرت قبله، فدعته إلى دينها، وكان قبل ذلك فيلسوفًا، فتابعها -يقال: تَقِيَّة- واجتمعت به النصارى، وتناظروا في زمانه مع عبد اللَّه بن أريوس، واختلفوا اختلافا منتشرًا متشتتًا لا ينضبط، إلا أنه اتفق من جماعتهم ثلاثمائة وثمانيةَ عشرَ أسقفًّا، فوضعوا لقسطنطين العقيدة، وهي التي يسمونها: الأمانة الكبيرة، وإنما هي الخيانة الحقيرة، وضعوا له القوانين -يعنون كتب الأحكام- من تحليل وتحريم وغير ذلك مما يحتاجون إليه، وغيَّروا دين المسيح ﵇، وزادوا فيه ونقصوا منه. وصلوا إلى المشرق واعتاضوا عن السبت بالأحد، وعبدوا الصليب وأحلوا الخنزير، واتخذوا أعيادًا أحدثوها، كعيد الصليب والقداس، والغطاس، وغير ذلك من البواعيث والشعانين (*)، وجعلوا له الباب وهو كبيرهم ثم البتاركة، ثم المطارنة، ثم الأساقفة، والقساقسة، ثم الشمامسة. وابتدعوا الرهبانية. وبنى لهم الملك الكنائس والمعابد، وأسس المدينة المنسوبة إليه وهي القسططنية، يقال: إنه بنى في أيامه اثنى عشر ألفَ كنيسة، وبنى بيت لحم بثلاثة [٥] محاريب، وبنت أمه القمامة، وهؤلاء هم الملكية، يعنون الذين هم على
(*) الشعانين: عيد النصارى يوم الأحد السابق لعيد الفِصح، يحتفل فيه بذكرى دخول السيد المسيح بيت المقدس.