للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾، كقوله: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيتَةُ أَحْيَينَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ﴾، وقال: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾، وقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا [١] بَينَ يَدَي رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ ولهذا قال هاهنا: ﴿وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾.

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١)

يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ﴾ الدالة على عظمته وكمال قدرته أنّه خلق أباكم آدم من تراب، ﴿ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾، فأصلكم من تراب، ثم من ماء مهين، ثم تَصَوّر فكان علقة، ثم مضغةً، ثم صار عظامًا مشكلة [٢] على شكل الإِنسان، ثم كسا اللَّه تلك العظام لحمًا، ثم نفخ فيه الروح، فإذا هو سميع بصير، ثم خرج من بطن أمه صغيرًا ضعيف القوى والحركة، ثم كلما طال عمره تكاملت قواه وحركاته، حتى آل به الحال إلى [٣] أن صار بيني المدائن والحصون، ويسافر في أقطار الأقاليم، ويركب متن البحور، ويدور أقطار الأرض، ويتكسب ويجمع الأموال، وله فكرة وغور، ودهاء ومكر، ورأي وعلم، واتساع في أمور الدنيا والآخرة كل بحسبه. فسبحان من أقدرهم وسيّرهم وسخرهم وصرفهم في فنون المعايش والمكاسب، وفاوت بينهم في العلوم والفكرة والحسن والقبح، والغنى والفقر، والسعادة والشقاء [٤]، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾.

وقال الإِمام أحمد (١٥): حدثنا يحيى بن سعيد وغندر قالا: حدثنا عوف، عن قسامة بن زهير، عن أبي موسى قال: قال رسول اللَّه : "إن اللَّه خلق آدم من


(١٥) المسند (٤/ ٤٠٠)، وأخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب: في القدر، حديث (٤٦٩٣) =