وقوله: ﴿وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ﴾ يعني: اللغات، فهؤلاء بلغة العرب، وهؤلاء تتر لهم [١] لغة أخرى، وهؤلاء كرَج، وهؤلاء روم، وهؤلاء إفرنج، وهؤلاء بزبر، وهؤلاء تُكْرور، وهؤلاء حبشة، وهؤلاء هنود، وهؤلاء عجم، وهؤلاء صقالبة، وهؤلاء خزر، وهولاء أرمن، وهؤلاء أكراد، إلى غير ذلك مما لا يعلمه إلا اللَّه من اختلاف لغات بني آدم، واختلاف ألوانهم وهي حُلاهم، فجميع أهل الأرض -بل أهل الدنيا- منذ خلق اللَّه آدم إلى قيام الساعة: كل له عينان وحاجبان، وأنف وجبين، وفم وخدان. وليس يشبه واحد منهم الآخر، بل لا بد أن يفارقه بشيء من السمت أو الهيئة أو الكلام، ظاهرًا كان أو خفيًّا، يظهر عند التأمل، كل وجه منهم أسلوب بذاته، وهيئة لا تشبه الأخرى. ولو توافق جماعة في صفة من جمال أو قبح لا بد من فارق بين كل واحد منهم وبين الآخر، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾.
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾، أي: ومن الآيات ما جعل لكم من صفة النوم في الليل والنهار، فيه تحصل الراحة وسكون الحركة، وذهاب الكلال والتعب، وجعل لكم الانتشار والسعي في الأسباب والأسفار [في النهار][٢]، وهذا ضد النوم، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ أي: يعون.
قال الطبراني (١٦): حدثنا حجاج بن عمران السدوسي [٣]، حدثنا عمرو بن الحصين العقيلي، حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن عُلاثة، حدثني ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، سمعت عبد الملك بن مروان، يحدث عن أبيه، عن زيد بن ثابت ﵁ قال: أصابني أرق من الليل، فشكوت ذلك إلى رسول اللَّه ﷺ فقال:"قل: اللهم غارت النجوم، وهدأت العيون، وأنت حي قيوم، يا حي يا قيوم، [أنم عيني، وأهدئ][٤] ليلي". فقلتها، فذهب عني.
(١٦) المعجم الكبير (٥/ ١٢٤)، ورواه ابن السني في عمل اليوم والليلة حديث (٧٤٥)، وابن عدي في الكامل (٥/ ١٥٠) من طريق عمرو بن الحصين به، وقال ابن عدي: "تفرد به عمرو بن الحصين وهو مظلم الحديث، ويروى عن قوم معروفين". وله شاهد من حديث أنس، حسنه الحافظ ابن حجر كما في الفتوحات الربانية لابن علان (٣/ ١٧٧).