للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فوقف فاستمع لقراءته، ثم قال: "لقد أوتى هذا مِزمَارًا من مزامير آل داود" (١).

و [١] قال أبو عثمان النهدي: ما سمعت صوت صَنج ولا بَربَط [٢] ولا وَتَر أحسنَ من صوت أبي موسى الأشعري .

ومعنى قوله: ﴿أَوِّبِي مَعَهُ﴾، أي: سبحي. قاله ابن عباس، ومجاهد، وغير واحد.

وزعم أبو ميسرة أنه بمعنى سبّحي بلسان الحبشة. وفي هذا نظر، فإن التأويب في اللغة هو الترجيع، فأمرت الجبال والطير أن ترجع معه بأصواتها.

وقال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي في كتابه "الجُمل" في باب النداء منه ﴿يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾، أي: سيري معه بالنهار كله، والتأويب: سير النهار كله، والإسار: سير الليل كله [٣]. وهذا لفظه، وهو غريب جدًّا لم أجده لغيره، وإن كان له مساعدة من حيث [٤] اللفظ في اللغة، لكنه بعيد في معنى الآية هاهنا. والصواب أن المعنى في قوله تعالى: ﴿أَوِّبِي مَعَهُ﴾، أي: رَجّعي مُسَبّحة معه، كما تقدم، والله أعلم.

وقوله: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾، قال الحسن البصري، وقتادة، والأعمش وغيرهم: كان لا يحتاج أن يُدخلَه نارًا ولا يضربه بمطرقة، بل كان يفتله بيده مثل الخيوط، ولهذا قال: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾، وهي: الدروع- قال قتادة؛ وهو أول من عملها من الخلق، وإنما كانت قبل ذلك صفائح.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا ابن [٥] سماعة، حدثنا ابن ضمَرة، عن ابن شوذب؛ قال: كان داود يرفع في كل يوم درعًا فيبيعها بستة آلاف درهم: ألفين له ولأهله، وأربعة ألاف درهم يطعم بها بني إسرائيل خبز الحوارى.

﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾، هذا إرشاد من الله لنبيه، داود ، في تعليمه صنعة الدروع.

قال مجاهد في قوله: ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾: لا تُدِق [٦] المسمار فَيقلَق في الحلقة، ولا تُغَلّظه فيفصمها [٧]، واجعله بقدر.


(١) تقدم تخريج الحديث.