وقال الحكم بن عُتيبة [١]: لا تُغَلظه فيفصم [٢]، ولا تدقه فيقلَق. وهكذا روي عن قتادة، وغير واحد.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: السرد: حَلَقُ [٣] الحديد. وقال بعضهم: يقال: درع مسرودة [٤]: إذا كانت مسمورة الحلق، واستشهد بقول الشاعر:
وَعَليهما مَسْرُودتَان قَضَاهُهما [٥] … "دَاوُد"، أو صَنَعُ السّوابغ "تُبّعُ"
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة داود ﵇(٢) من طريق إسحاق بن بشر [٦]- وفيه كلام- عن أبي إلياس، عن وهب بن مُنَبه ما مضمونه: أن داود ﵇ كان يخرج متنكرًا، فيسأل الركبان عنه وعن سيرته، فلا يسأل أحدًا إلا أثني عليه خيرًا في عبادته وسيرته ومعدلته -صلوات الله وسلامه عليه- قال وهب: حتى بعث الله ملكا في صورة رجل، فلقيه داود فسأله كما كان يسأل غيره، فقال: هو خير الناس لنفسه ولأمته، إلا أن فيه خصلة لو لم تكن فيه كان كاملًا. [قال: ما هي؟][٧] قال: كل ويطعم عياله من مال المسلمين- يعني بيت المال- فعند ذلك نصب داود ﵇ إلى ربه في الدعاء أن يعلمه عملًا بيده يستغني به [٨] ويغني به عياله، فألان له الحديد، وعلمه صنعة الدروع، فعمل الدرع، وهو أول من عملها، فقال الله: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾، يعني مسامير الحلق، قال: وكان يعمل الدرع، فإذا ارتفع من عمله درع باعها، فتصدق بثلثها، واشترى بثلثها ما يكفيه وعياله، وأمسك الثلث يتصدق به يومًا [٩] بيوم إلى أن يعمل غيرها. وقال: إن الله أعطى داود شيئًا لم يعطه غيره من حسن الصوت، إنه كان إذا قرأ الزبور تسمع الوحش حتى يؤخذ بأعناقها وما تنفر، وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والصنوج إلا على أصناف صوته. وكان شديد الاجتهاد، وكان إذا افتتح الزبور بالقراءة كأنما ينفخ في المزامير، وكان قد أعطي سبعين مزمارًا [١٠] في حلقه.
وقوله: ﴿وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾، أي: في الذي أعطاكم الله من النعم، ﴿إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، أي: مراقب لكم، بصير بأعمالكم وأقوالكم، لا يخفى علي من ذلك شيء.