للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

علام الغيوب، فلا تخفى عليه خافية في السماوات ولا في الأرض.

وقوله: ﴿قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾، أي: جاء الحق من الله والشرع العظيم، وذهبَ الباطل لي زهق واضمحل، كقوله: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ﴾، ولهذا لما دخل رسول الله المسجد الحرام يوم الفتح، ووجد تلك الأصنام منصوبة حول الكعبة، جعل يَطعُن الصنم بسيَة قَوْسه، ويقرأ: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾، ﴿قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾.

رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وحده عند هذه الآية، كلهم من حديث الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر عبد الله بن سَخْبَرَةَ، عن ابن مسعود به (٤٣).

أي: لم يبق للباطل مقالة ولا رياسة ولا كلمة.

وزعم قتادة والسدي: أن المراد بالباطل هاهنا إبليس، أي: إنه لا يخلق أحدًا ولا يعيده، ولا يقدر على ذلك. وهذا وإن كان حقًّا ولكن ليس هو المراد هاهنا، والله أعلم.

وقوله: ﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾، أي: الخير كله من عند الله، وفيما أنزله الله ﷿ من الوحي والحق المبين فيه الهدى والبيان والرشاد، ومن ضل فإنما يضل من تلقاء نفسه، كما قال عبد الله بن مسعود لما سئل عن تلك المسألة في المفوّضة: أقول فيها برأيي، فإن كن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأً فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه (٤٤).

وقوله: ﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ﴾، أي: سميع لأقوال عباده، قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، وقد روى النسائي هاهنا حديث أبي موسى الذي في الصحيحين: "إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنما تدعون سميعًا قريبًا مجيبًا" (٤٥).

﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَينَهُمْ وَبَينَ مَا يَشْتَهُونَ


(٤٣) صحيح البخاري، كتاب المظالم حديث (٢٤٧٨)، وكتاب المغازي (٤٢٨٧)، وصحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير حديث (١٧٨١)، وسنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، حديث (٣١٣٨)، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب التفسير، حديث (١١٤٢٨).
(٤٤) انظر الأثر في المسند (١/ ٤٧٧).
(٤٥) النسائي في السنن الكبرى، كتاب التفسير حديث (١١٤٢٧)، وصحيح البخاري، كتاب المغازي، حديث (٤٢٠٥) وصحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار حديث (٢٧٠٤).