للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤)

يقول تعالى: ولو ترى - يا محمد - إذ فَزع هؤلاء المكذبون يوم القيامة، ﴿فَلَا فَوْتَ﴾، أي: فلا مفر لهم، ولا وزر ولا ملجأ. ﴿وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾، أي: لم يُمكَّنوا أن يُمعِنُوا في الهرب، بل أخذوا من أول وهلة.

قال الحسن البصري: "حين خرجوا من قبورهم".

وقال مجاهد، وعطية العوفي، وقتادة: "من تحت أقدامهم".

وعن ابن عباس والضحاك: "يعني عذابهم في الدنيا".

وقال عبد الرحمن بن زيد: "يعني قتلهم يوم بدر".

والصحيح أن المراد بذلك يوم القيامة، وهو الطامة العظمى، وإن كان ما ذكر متصلًا [١] بذلك.

وحكى ابن جرير عن بعضهم قال: إن المراد بذلك جيش يخسف [٢] بهم بين مكة والمدينة في أيام بني العباس. ثم أورد في ذلك حديثًا موضوعًا بالكلية. ثم لم ينبه على ذلك، وهذا أمر عجيب غريب منه.

﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ﴾، أي: يوم القيامة يقولون: آمنا بالله وبكتبه ورسله. كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾، ولهذا قال تعالى: ﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾، أي: وكيف لهم [] [٣] تعاطي الإيمان وقد بعدوا عن محل قبوله منهم وصاروا إلى الدار [٤] الآخرة، وهي دار الجزاء لا دار الابتلاء، فلو كانوا آمنوا في الدنيا لكان ذلك نافعهم، ولكن بعد مصيرهم إلى الدار الآخرة لا سبيل لهم إلى قبول الإيمان، كما لا سبيل إلى حصول الشيء لمن يتناوله من بعيد.

قال مجاهد: ﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ﴾، قال: التناول لذلك.

وقال الزهري: التناوش: تناولهم الإيمان وهم في الآخرة، وقد انقطعت عنهم الدنيا [٥].

وقال الحسن البصري: أما إنهم طلبوا الأمر من حيث لا ينال، تعاطوا الإيمان من مكان بعيد.


[١]- في ز: "متصل".
[٢]- في خ: "خسف" وفي ز: "حشف".
[٣]- ما بين المعكوفتين في ز: "عن".
[٤]- سقط من: ز.
[٥]- سقط من: خ، ر.