للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال مالك، عن زيد بن أسلم: هو الشيطان. كما قال: يقول المؤمنون للمنافقين يوم القيامة حين يضرب ﴿بَينَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (١٣) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾.

ثم بين تعالى عداوة إبليس فيبن آدم فقال: ﴿إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾، أي: هو مبارز لكم بالعداوة، فعادوه أنتم أشد العداوة، وخالفوه وكذبوه فيما يغركم به، ﴿إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ أي: إنما يقصد أن يضلكم حتَّى تدخلوا معه إلى عذاب السعير، فهذا هو العدو المبين. فنسأل الله القوي العزيز أن جعلنا أعداء الشيطان، وأن يزقنا اتباع كتابه، والاقتفاء بطريق رسوله، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير. وهذه كقوله: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾.

﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (٨)

لما ذكر تعالى أن أتباع إبليس مصيرهم إلى السعير، ذكر بعد ذلك أن [الذين كفروا لهم] [١] عذاب شديد، لأنهم أطاعوا الشيطان وعَصَوا الرحمن، وأن اللذين آمنوا بالله ورسله ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ أي: لما كان منهم من ذنب، ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ على ما عملوه من خير.

ثم قال: ﴿فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا﴾، يعني كالكفار والفجار، يعملون أعمالًا سيئة، وهم في ذلك يعتقدون ويحسبون أنَّهم يحسنون صنعًا، أي: أفمن [٢] كان هكذا قد أضله الله، ألك فيه حيلة؟ لا حيلة لك فيه، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾، أي: بقدره كان ذلك، ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيهِمْ حَسَرَاتٍ﴾، أي: لا تأسف علن ذلك فإن الله حكيم [٣] في قدره إنما يضل من يضل ويهدي من يهدي، لما له في ذلك من الحجة


[١]- ما بين المعكوفتين في ز: "للذين كفروا".
[٢]- في ز: "فمن".
[٣]- في ز: "حليم".