للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولهذا قال: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَال مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾؟ أي: استبعد إعادة الله تعالى ذي القدرة العظيمة التي خلقت السماوات والأرض- للأجساد والعظام الرميمة، ونسي نفسه، وأن الله خلقه من العدم، فعلم من نفسه ما هو أعظم مما استبعده وأنكره وجحده؛ ولهذا قال تعالى: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾، أي: يعلم العظام في سائر أقطار الأرض وأرجائها، أين ذهبت، وأين تفرقت وتمزقت؟

قال الإمام أحمد (٥٦): حدثنا عفان، حدثنا أبو عوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن [١] رِبْعيّ؛ قال: قال عقبة بن عمرو لحذيفة: ألا تحدثُنا ما سمعتَ من رسول الله ؟ فقال: سمعته يقول: "إن رجلًا حضره الموت، فلما أيس من الحياة أوصى أهله: إذا أنا مت فاجمعوا لي حَطَبًا كثيرًا جَزْلا، ثم أوقدوا فيه نارًا، حتى إذا أكلت [٢] لحمي وخَلصت إلى عظمي فامتُحشْتُ فخذوها فَأذَرَّوها [٣] في اليم، ففعلوا، فجمعه الله إليه فقال له: لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك، فغفر الله له". فقال عقبة بن عمرو: وأنا سمعته يقول ذلك. وكان نَبَّاشًا [٤].

وقد أخرجاه في الصحيحين، من حديث عبد الملك بن عمير، بألفاظ كثيرة، منها: "أنه أمر بنيه أن يحرقوه ثم يسحقوه، فم يُذَرُّوا نصفه في البر ونصفه في البحر، في يوم رائح، أي: كثير الهواء- ففعلوا ذلك، فأمر الله البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال له: كن. فإذا هو رجل قائم، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: مخافتك وأنت أعلم. فما تلافاه أن غفر له".

وقوله: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾، أي: الذي بدأ خلق هذا الشجر من ماء حتى صار خضرًا نَضرًا ذا ثمر ويَنْع، ثم أعاده إلى أن صار حطبًا يابسًا، توقد [٥] به النار، كذلك [هو فعال] [٦] لما يشاء، قادر على ما يريد لا يمنعه شيء.

قال قتادة في قوله: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾، يقول: الذي أخرج هذه النار من هذا الشجر قادر أن يبعثه.


= السلسلة الصحيحة (١٠٩٩) وصحيح ابن ماجه (٢/ ١١١) حديث (٢١٨٨).
(٥٦) - المسند (٥/ ٣٩٥)، وأخرجه البخاري في أحاددث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل حديث (٣٤٥٢) وأطرافه في (٣٤٧٩، ٦٤٨٠).