يخبر تعالى عن أهل الجنة أنه أقبل بعضهم على بعض يتساءلون، أي: عن أحوالهم، وكيف كانوا في الدنيا، وماذا كانوا يعانون فيها؟ وذلك من حديثهم على شرابهم، واجتماعهم في تنادمهم وعشرتهم في مجالسهم، وهم جلوس على السّرُر، والخدم بين أيديهم، يسعون ويجيئون بكل خير عظيم، من مآكل ومشارب وملابس، وغير ذلك مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ﴾ قال مجاهد: يعني: شيطانًا.
وقال العوفي (٢٤)، عن ابن عباس: هو الرجل المشرك يكون له صاحب من أهل الإيمان في الدنيا، ولا تنافي بين كلام مجاهد وابن عباس، فإن الشيطان يكون من الجن فيوسوس في النفس، ويكون من الإِنس فيقول كلامًا تسمعه الأذنان، وكلاهما متعاديان [٢]، قال الله تعالى: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾، وكل منهما يوسوس، كما قال تعالى: ﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾؛ ولهذا ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ﴾ أي: أأنت تُصدّق بالبعث والنشور والحساب والجزاء؟! يعني يقول ذلك على وجه التعجب والتكذيب والاستبعاد، والكفر والعناد، ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ﴾، قال مجاهد، والسدي: لمحاسبون. وقال ابن عباس، ومحمد بن كعب القرظي: لمجزيون بأعمالنا. وكلاهما صحيح.
(٢٤) - رواه ابن جرير (٢٣/ ٥٩) بإسناد مسلسل بالضعفاء، أولهم عطية العوفي.