للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخرون: ﴿فَقَال إِنِّي سَقِيمٌ﴾ بالنسبة إلى ما يستقبل، يعني مرض الموت.

وقيل: أراد ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ أي: مريض القلب من عبادتكم الأوثان من دون الله ﷿.

وقال الحسن البصري: خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم، فأرادوه على الخروج، فاضطجع على ظهره وقال: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾، وجعل ينظر في السماء، فلما خرجوا أقبل إلى آلهتهم فكسرها. رواه ابن أبي حاتم (٤٣).

ولهذا قال تعالى: ﴿فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ﴾ أي: إلى عيدهم، ﴿فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ﴾ أي: ذهب إليها بعد أن خرجوا، في سرعة واختفاء، ﴿فَقَال أَلَا تَأْكُلُونَ﴾، وذلك أنهم كانوا قد وضعوا بين أيديها طعامًا قربانًا لتُبَرّك لهم فيه.

قال السدي: دخل إبراهيم إلى بيت الآلهة، فإذا هم في بهو عظيم، وإذا مستقبل باب البهو صنم عظيم، إلى جنبه أصغر منه، بعضها إلى جنب بعض، كل صنم يليه أصغر منه، حتَّى بلغوا باب البهو، وإذا هم قد جعلوا طعامًا وضعوه بين أيدي الآلهة، وقالوا: إذا كان حين نرجع وقد بَرّكَت الآلهة في طعامنَا أكلنا، فلما نظر إبراهيم إلى ما بين أيديهم من الطعام قال: ﴿فَقَال أَلَا تَأْكُلُونَ (٩١) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ﴾؟.

وقوله: ﴿فَرَاغَ عَلَيهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ﴾ قال الفراء: معناه مال عليهم ضربًا باليمين. وقال قتادة والجوهرى: فأقبل عليهم ضربًا باليمين.

وإنَّما ضربهم باليمين لأنها أشد وأنكى؛ ولهذا تركهم جذاذًا إلَّا كبيرًا لهم لعلهم إليه يرجعون، كما تقدم في "سورة الأنبياء" تفسير ذلك.

وقوله هاهنا: ﴿فَأَقْبَلُوا إِلَيهِ يَزِفُّونَ﴾ قال مجاهد: وغير واحد أي: يسرعون، وهذه القصة هاهنا مختصرة، وفي "سورة الأنبياء" مبسوطة، فإنهم لما رجعوا ما عرفوا من أول وهلة من فعل ذلك حتَّى كشفوا واستعلموا، فعرفوا أن إبراهيم هو الذي فعل ذلك. فلما جاءوا ليعاتبوه أخذ في تأنيبهم وعَيْبهم، فقال: ﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ﴾؟! أي: أتعبدون [١] من دون الله من الأصنام ما أنتم تنحتونها وتجعلونها بأيديكم؟! ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾، يحتمل أن تكون "ما" مصدرية، فيكون تقدير الكلام: [والله خلقكم وعَملكم. ويحتمل أن تكون بمعنى "الذي"، تقديره] [٢]: والله خلقكم والذي


= تفسير القرآن (٣١٤٨)، وأَبو يعلى في مسنده (٢/ ١٠٤٠) - ومن طريق ابن عساكر أيضًا عن سفيان به مطولًا ومختصرًا وصححه الترمذي!! مع أن ابن جدعان ضعفه الجمهور لكن يشهد له حديث أبي هريرة السابق.
(٤٣) - وعزاه له السيوطي في "الدر المنثور" (٥/ ٥٢٦) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر.