للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَينَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَتَرَكْنَا عَلَيهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (١٠٩) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبَارَكْنَا عَلَيهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣)

يقول تعالى مخبرًا عن خليله إبراهيم: إنه بعد ما نصره الله على قومه وأيس من إيمانهم بعد ما شاهدوا من الآيات العظيمة، هاجر من بين أظهرهم، وقال: ﴿وَقَال إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ يعني: أولادًا مطعين عوَضًا من قومه وعشيرته الذين فارقهم، قال الله تعالى: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ﴾، وهذا الغلام هو إسماعيل فإنه أولُ ولد بُشِّرَ به إبراهيم وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب، بل في نص كتابهم أن إسماعيل وُلد ولإِبراهيم ست وثمانون سنة، وولد إسحاق وعُمر إبراهيم تسع وتسعون سنة، وعندهم أن الله تعالى أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده، وفي نسخة: بكره، فأقحموا هاهنا كذبًا وبهتانًا "إسحاق"، ولا يجوز هذا لأنه مخالف لنص كتابهم، وإنَّما أقحموا "إسحاق" لأنه أَبوهم، وإسماعيل أَبو العرب، فحسدوهم، فزادوا ذلك وحَرَّفوا "وحيدك"، بمعنى الذي ليس عندك غيره، فإن إسماعيل كان ذهب به وبأمه إلى جنب مكة، وهذا تأويل وتحريف باطل، فإنه لا يقال: "وحيد". إلَّا لمن ليس له غيره، وأيضًا فإن أول ولد [له معزة] [١] ما ليس لمن بعده من الأولاد، فالأمر بذبحه أبلغ في الابتلاء والاختبار [٢]. وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق، وحُكي ذلك عن طائفة من السلف، حتَّى نقل عن بعض الصحابة أيضًا، وليس ذلك في كتاب ولا سنة، وما أظن ذلك تُلُقّي إلَّا عن أخبار [٣] أهل الكتاب، وأخذ ذلك مسلمًا [من غير] [٤] حجة، وهذا كتاب الله شاهد ومرشد إلى أنَّه إسماعيل، فإنه ذكر البشارة بالغلام الحليم، وذكر أنَّه الذبيح، ثم قال بعد ذلك: ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾، ولما بشرت الملائكة إبراهيم بإسحاق قالوا: ﴿إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾ وقال تعالى: ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ أي: يولد له في حياتهما ولد يسمى يعقوب، فيكون


[١]- ما بين المعكوفتين في خ: "يعتبره"، وفي ز: "معتبرة".
[٢]- في ز، خ: "اختبارًا".
[٣]- في ت: "أحبار".
[٤]- ما بين المعكوفتين في خ: "بن عمير".