قلوبهم، فلما دعاهم الرسول ﷺ إلي خلع ذلك من قلوبهم، وإفراد الله بالوحدانية، أعظموا ذلك وتعجبوا وقالوا: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيءٌ عُجَابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ﴾، وهم سادتهم وقادتهم ورؤساؤهم وكبراؤهم قائلين: ﴿امْشُوا﴾ أي: استمروا على دينكم ﴿وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ﴾، ولا تستجيبوا لما يدعوكم إليه محمد من التوحيد.
وقوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيءٌ يُرَاد﴾ قال ابن جرير: إن هذا الذي يدعونا إليه محمد من التوحيد لشيء يريد به الشرف عليكم، والاستعلاء، وأن يكون له منكم أتباع [١]، ولسنا [٢] مُجِيبيه إليه.
ذكر سبب نزول هذه الآيات
قال السدي: إن ناسًا [٣] من قريش اجتمعوا، فيهم: أبو جهل بن هشام، والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب، والأسود بن عبد يغوث في نفر من مشيخة قريش، فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى أبي طالب فَلْنُكَلّمه فيه، فَلْينصفنا منه، فَلْيكف عن شَتْم آلهتنا، ونَدَعه وإلهه الذي يعبده؛ فإنا نخاف أن يموت هذا الشيخ، فيكونَ منا إليه شيء، فتعيرنا العرب، يقولون: تركوه حتى إذا مات عنه تناولوه. فبعثوا رجلًا منهم يقال له: المطلب، فاستأذن لهم علي أبي طالب، فقال: هؤلاء مشيخة قومك وسَرَاتهم يستأذنون عليك؟ قال: أدخلهم. فلما دخلوا عليه قالوا: يا أبا طالب، أنت كبيرنا وسيدنا، فأنصفنا من ابن أخيك، فمره فليكف عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه. قال: فبعث إليه أبو طالب، فلما دخل عليه رسول الله ﷺ قال: يا ابن أخي، هؤلاء مشيخة قومك وسَرَاتهم، وقد سألوك أن تكف عن شتم آلهتهم ويدَعُوك وإلهك. قال:"ياعم، أفلا أدعوهم إلي ما هو خير لهم؟ " قال: وإلام تدعوهم؟ قال:"أدعوهم أن يتكلموا بكلمة تدين لهم بها [٤] العرب، ويملكون بها العجم". فقال أبو جهل من بين القوم: ما هي وأبيك؟ لنعطينكها [٥] وعشرة أمثالها. قال:"تقولون: لا إله إلا الله". فنفر وقال: سلْنا غير هذا. قال:"لو جئتموني بالشمس حتى تضعوها في يدي، ما سألتكم غيرها". فقاموا من عنده غضَابًا، وقالوا: والله لنشتمنك وإلهك الذي أمرك بهذا. ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيءٌ يُرَادُ﴾.
رواه ابن أبي حاتم، وابن جرير (٢)، وزاد: فلما خرجوا دعا رسول الله صلي الله عليه