للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾، ذلك معنى آخر.

وقوله: ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ أي: هذه صفة الأبرار، عند سماع كلام الجبار، [المهيمن العزيز الغفار] [١]، لما يفهمون منه من الوعد والوعيد، والتخويف والتهديد، تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف. ﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾، لما يرجون ويُؤمِّلون من رحمته ولطفه، فهم مخالفون لغيرهم من الكفار من وجوه:

أحدها: أن سماع هؤلاء هو تلاوة الآيات، وسماع أولئك نغمات الأبيات [٢] من أصوات القينات.

الثاني: أنهم إذا تليت عليهم آيات الرحمن خروا سجدًا وَبُكيًّا، بأدب وخشية، ورجاء ومحبة، وفهم وعلم، كما قال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيهَا صُمَّا وَعُمْيَانًا﴾ أي: لم يكونوا عند سماعها متشاغلين لاهين عنها؛ بل مصغين إليها، فاهمين بصيرين بمعانيها، فلهذا إنما يعملون بها، ويسجدون عندها عن بصيرة لا عن جهل ومتابعة لغيرهم.

الثالث: أنهم يلزمون الأدب عند سماعها، كما كان الصحابة عند سماعهم كلام الله من تلاوة رسول الله تقشعر جلودهم، ثم تلين مع قلوبهم إلى ذكر الله. لم [٣] يكونوا يتصارخُون ولا يتكلّفون ما [٤] ليس فيهم، بل عندهم من الثبات والسكون والأدب والخشية ما لا يلحقهم أحد في ذلك، ولهذا فازوا بالقدح المُعَلَّى في الدنيا والآخرة.

قال عبد الرزاق: حدَّثنا معمر قال: تلا قَتَادة : ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ قال: هذا نعت أولياء الله، نعتهم الله بأن تقشعر جلودهم، وتبكي أعينهم، وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم، إنما هذا في أهل البدع، وهذا من الشيطان.

وقال السدي: ﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ] [٥] قُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ أي: إلى وعد الله.


[١]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ، ز.
[٢]- في ز: "الآيات".
[٣]- في ز: "لا".
[٤]- في ز: "لما".
[٥]- ما بين المعكوفتين سقط من: ز.