للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه وسلم بالمدينة.

ثم استحث تعالى عباده إلى المسارعة إلى التوبة، فقال: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ [أي: ارجعوا إلى الله واستسلموا له، ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ أي: بادروا] [١] بالتوبة والعمل الصالح قبل حلول النقمة، ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ وهو القرآن العظيم، ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ أي: من حيث لا [تعلمون ولا تشعرون] [٢].

ثم قال: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ أي: يوم القيامة يتحسر المجرم المفرط في التوبة والإنابة، ويود لو كان من المحسنين المخلصين المطيعين لله ﷿.

وقوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾ أي: إنَّما كان عملي في الدُّنيا عمل ساخر مستهزئ غير موقن مصدق.

﴿أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ أي: تود أن لو أعيدت إلى الدار الدُّنيا فتحسن العمل.

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أخبر الله -سبحانه- ما العباد قائلون قبل أن يقولوه، وعملهم قبل أن يعملوه. وقال: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾، ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ فأخبر الله [٣] تعالى أن لو رُدّوا لما قدروا على الهدى، وقال تعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾.

وقد قال الإمام أحمد (٣٩): حدَّثنا أسود، حدَّثنا أبو بكر، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة ؛ قال: قال رسول الله : "كل أهل النار يرى مقعده من الجنَّة فيقول: لو أن الله هداني! فتكون عليه حسرة". قال: "وكل أهل الجنَّة يرى مقعده من النار فيقول: لولا أن الله هداني! قال [٤]: فيكون له الشكر". ورواه


(٣٩) - المسند (٢/ ٥١٢)، وأخرجه النَّسائيّ في تفسيره (٤٧٤)، والحاكم في مستدركه (٢/ ٤٣٥، ٤٣٦) وعنه البيهقي في البعث والنشور (٢٦٩) من طريق أبي بكر بن عياش به نحوه.