للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾، فقال: هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خِيَرَةُ الله، هذا أحبّ أهل الأرض إلى الله، أجاب اللهَ في دعوته، ودعا الناسَ إلى ما أجاب الله [فيه من] [١] دعوته، وعمل صالحًا في إجابته، وقال: إنني من المسلمين، هذا خليفة الله.

وقوله: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ﴾ أي: فرق عظيم بين هذه وهذه، ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ أي: من أساء إليك فادفعه عنك بالإِحسان إليه، كما قال عمر: ما عاقبتَ من عَصَى الله فيك بمثل [٢] أن تطيع الله فيه.

وقوله: ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾، وهو الصديق، أي: إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنةُ إليه إلى مصافاتك ومحبتك، والحنوّ عليك، حتى يصير كأنه وَلِيّ لك حَمِيم، أي: قريب إليك من الشفقة عليك والإِحسان إليك.

ثم قال: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ أي: وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على [٣] ذلك، فإنه يشق [٤] على النفوس، ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ أي: ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والأخرى.

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإِساءة، فإذا فعلوا ذلك عصَمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم.

وقوله: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ أي: إن شيطان الإنس ربما ينخدع بالإِحسان إليه، فأما شيطان الجن فإنه لا حيلةَ فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلطه عليك، فإذا استعذت بالله ولجأت إليه، كفه عنك ورد كيده. وقد كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة يقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه" (٤١).


= (٣٤ / أ) -كما في حاشية الدعاء للطبراني (٢/ ١٠٢١) -: "ولم أر هذه الزيادة في النسخ الموثوقة … وعدَّدها" ا هـ، يعني كلمة: "صحيح" فاللهُ أعلم.
(٤١) - حديث صحيح بمجموع طرقه. أخرجه ابن أبي شيبة ٢/ ٢٣١، وأبو داود الطيالسي (٩٤٧)، وأحمد ٤/ ٨٥، وأبو داود في الصلاة (٧٦٤)، وابن ماجه في الصلاة (٨٠٧)، وابن الجاوود في المنتقى (١٨٠)، والحاكم ١/ ٢٣٥، والبيهقي ٢/ ٣٥، وابن حبان في الثقات ٢/ ٢٢٢ وغيرهم من طريق عمرو بن مرة عن عاصم العنزي عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه جبير به. قال الحاكم: "صحيح الإسناد" ووافقه الذهبي. قلت: في إسناده عاصم العنزي وقد اختلف في اسمه، ولم يوثقه أحد. وقال =