للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قدمنا أن هذا المقام لا نظير له في القرآن إلا في "سورة الأعراف" عند قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾، وفي سورة المؤمنين عند قوله: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (٩٦) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ﴾.

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (٣٨) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ (٣٩)

يقول تعالى منبهًا خَلْقه على قدرته العظيمة، وأنه الذي لا نظير له، وأنه على ما يشاء قادر، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ أي: إنه خلق الليلَ بظلامه، والنهار بضيائه، وهما متعاقبان لا يَقرّان، والشمسَ ونورِهَا وإشراقها، والقمرَ وضياءه وتقدير منازله في فَلَكه، واختلاف سيره [في سمائه] [١]، ليعْرَف باختلاف سيره وسير الشمس مقاديرُ الليل والنهار، والجُمَع والشهور والأعوام، ويتبين بذلك حلولُ الحقوق، وأوقات العبادات والمعاملات.

ثم لما كان الشمس والقمر أحسن الأجرام المشاهدة في العالم العلوي والسفلي، نبه تعالى على أنهما مخلوقان عبدان من عبيده، تحت قهره وتسخيره، فقال: ﴿لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ أَي: ولا تشركوا به، فما تنفعكم [٢] عبادتكم له مع عبادتكم لغيره، فإنه لا يغفر أن يشرك به. ولهذا قال: ﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا﴾ أي: عن إفراد العبادة له وأبَوا إلا أن يشركوا معه غيره، ﴿فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ﴾، يعني الملائكة ﴿يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ﴾، كقوله: فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾.

وقال الحافظ أبو يعلى (٤٢): حدثنا سفيان -يعني ابن وكيع- حدثنا أبي، عن ابن أبي


= الحافظ: "مقبول". وللحديث شواهد كثيرة انظر الإرواء ٢/ ٥٣ (٣٤٢).
(٤٢) - المسند (٢١٩٤) وأخرجه الطبراني في الأوسط (٤٦٩٨، ٢٧٩٥)، وفي الدعاء (٢٠٥١)، =