للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو القرآن، ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾ أي: منيع الجناب، لا يُرَام أن يأتي أحد بمثله، ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَينِ يَدَيهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ أي: ليس للبطلان إليه سبيل، لأنه منزل من رب العالمين، ولهذا قال: ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ أي: حكيم في أقواله وأفعاله، حميد بمعنى محمود، أي: في جميع ما يأمر به وينهى عنه الجميع محمودة عواقبه وغاياته.

ثم قال: ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ﴾، قال قتادة، والسدي، وغيرهما: ما يقال لك من التكذيب إلا كما قد قيل للرسل من قبلك فكما قد كُذّبت فقد كذبوا، وكما صَبَروا على أذى قومهم لهم [١]، فاصبر أنت على أذى قومك لك. وهذا اختيار ابن جرير، ولم يحك هو ولا ابن أبي حاتم غيره.

وقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ﴾ أي: لمن تاب إليه، ﴿وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ﴾ أي: لمن استمر على كفره، وطغيانه، وعناده، وشقاقه، ومخالفته.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال: لما [٢] نزلت هذه الآية: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ﴾ قال رسول الله : "لولا غَفْرُ الله وتجاوزه ما هَنَأ أحدًا العيشُ، ولولا وعيده وعقابه لاتَّكل كلّ أحد".

﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٤٤) وَلَقَدْ آتَينَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَينَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥)

لما ذكر تعالى القرآن وفصاحته وبلاغته؛ وإحكامه في لفظه ومعناه، ومع هذا لم يؤمن به المشركون نَبّه على أن كفرهم به كُفْرُ عناد وتعنت، كما قال: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾، وكذلك لو أنزل القرآن كله بلغه العجم، لقالوا على وجه التعنت والعناد [٣]: ﴿لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾ أي: لقالوا: هلا أنزل مفصلًا بلغة العرب ولأنكروا ذلك وقالوا: أعجمي وعربي؛ أي: كيف ينزل كلام أعجمي


[١]- سقط من: خ، ز.
[٢]- سقط من: ز.
[٣]- في خ، ز: "والفساد".