للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على مخاطب عربي لا يفهمه؟!

هكذا رُوي هذا المعنى عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والسدي، وغيرهم.

وقيل: المراد بقولهم: ﴿لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾ أي: هذا أنزل بعضهما بالأعجمي وبعضها بالعربي؛ هذا قول الحسن البصري، وكان يقرؤها كذلك بلا استفهام في قوله ﴿أَأَعْجَمِيٌّ﴾ وهو رواية عن سعيد بن جبير، وهو في العناد أبلغ.

ثم قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾ أي: قل يا محمَّد: هذا القرآن لمن آمن به هدىً لقلبه، وشفاء لما في الصدور من الشكوك والريب، ﴿وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ﴾ أي: لا يفهمون ما فيه، ﴿وَهُوَ عَلَيهِمْ عَمًى﴾ أي: لا يهتدون إلى ما فيه من البيان، كما قال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إلا خَسَارًا﴾ ﴿أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيد﴾ قال مجاهد يعني: بعيد من قلوبهم.

قال ابن جرير: معناه كَأنّ [١] مَن يخاطبهم يناديهم من مكان بعيد، لا يفهمون ما يقول:

قلت: وهذا كقوله تعالى: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ وقال الضحاك: ينادون يوم القيامة بأشنع أسمائهم وقال السدي: كان عمر بن الخطاب جالسًا عند رجل من المسلمين يقضي، إذ قال: يالبَّيكاه. فقال عمر: لم تُلبّي؟ هل رأيت أحدًا، أودعاك أحد؟ قال: دعاني داع من وراء البحر. فقال عمر: ﴿أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾. رواه ابن أبي حاتم.

وقوله: ﴿وَلَقَدْ آتَينَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾ أي: كُذِّب وأوذي [٢] ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ بتأخير الحساب إلى يوم المعاد، ﴿لَقُضِيَ بَينَهُمْ﴾ أي: لعجل لهم العذاب، بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلًا، ﴿وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾ أي: وما كان تكذيبهم له عن بصيرة منهم لما قالوا، بل كانوا شاكين فيما قالوا، غير محققين لشيء كانوا فيه. هكذا وجهه [٣] ابن جرير وهو محتمل، والله أعلم.

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦) إِلَيهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا


[١]- في خ: "مكان" وفي ز: "فكأنَّ".
[٢]- في خ، ت: "وأذي".
[٣]- في ز: "وجه".