للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستعصت على رسول الله ، دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان. وفي رواية: فجعل الرجل ينظر إلى السماء، فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد. قال الله تعالى: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، فأتي رسول الله فقيل: يا رسول الله؛ استسق الله لمضر، فإنها قد هلكت. فاستسقى لهم فَسُقُوا، فأنزل الله: ﴿إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ﴾، قال ابن مسعود: فيكشف العذاب عنهم يوم القيامة، فلما أصابهم الرفاهية عادوا إلى حالهم، فأنزل الله: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ﴾، قال: يعني يوم بدر. قال ابن مسعود: فقد مضى خمسة: الدخان، والروم، والقمر، والبطشة، واللزام.

وهذا الحديث مخرج في الصحيحين (٥) ورواه الإمام أحمد في مسنده وهو عند الترمذي، والنسائي في تفسيرهما، وعند ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق متعددة، عن الأعمش به (٦). وقد وافق ابن مسعود على تفسير الآية بهذا، وأن الدخان مَضَى- جماعةٌ من السلف كمجاهد، وأبي العالية، وإبراهيم النخَعي، والضحاك، وعطية العوفي، وهو اختيار ابن جرير.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا جعفر بن مسافر، حدثنا يحيى بن حَسَّان، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا عبد الرحمن الأعرج في قوله: ﴿يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾، قال: كان ورم فتح مكة. وهذا قول غريب جدًّا بل منكر.

وقال آخرون: لم يمض الدخان بعد، بل هو من أمارات الساعة، كما تقدم من حديث أبي سَريحة حُذَيفة بن أسيد الغفاري قال: أشرف علينا رسول الله من غرفة ونحن نتذاكر الساعة، فقال: "لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، والدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج عيسى ابن مريم، والدجال، وللآية خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس -أو: تحشر الناس-: تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا". انفرد [١] بإخراجه مسلم في صحيحه (٧).

وفي الصحيحين أن رسول الله قال لابن الصياد: "إني خَبأت لك


(٥) - البخاري (٤٨٢٠)، ومسلم (٢٧٩٨).
(٦) - المسند (١/ ٣٨٠، ٤٣١) وسنن الترمذي (٣٢٥٤) والنسائي في الكبرى (١١٤٨١) والطبري (٢٥/ ٦٦).
(٧) - صحيح مسلم (٢٩٠١).