للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا رواه ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن ابن أبي [١] عمر، عن سفيان، عن عبد الله [٢] ابن أبي يزيد، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن ابن عباس فذكره.

وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن. وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين أجمعين [٣]، مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهما، التي أوردناها مما فيه مقنع ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة، مع أنه ظاهر القرآن. قال الله تعالى: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾، أي: بين واضح يراه كل أحد، وعلى ما فسر به ابن مسعود : إنما [٤] هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد. وهكذا قوله: ﴿يَغْشَى النَّاسَ﴾، أي: يتغشاهم ويَعُمهم، ولو كان أمرًا خياليًّا يخص أهل مكة المشركين لما قيل فيه: ﴿يَغْشَى النَّاسَ﴾.

وقوله: ﴿هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. أي: يقال لهم ذلك تقريعًا وتوبيخًا، كقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ أو يقول بعضهم لبعض ذلك. ليقوله: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ﴾. أي: يقول الكافرون إذا عاينوا عذاب الله وعقابه سائلين رفعه وكشفه عنهم، كقوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَاليتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِين﴾. وكذا قوله: ﴿وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ﴾ وهكذا قال هاهنا: ﴿أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ﴾.

[يقول: كيف لهم بالتذكر وقد أرسلنا إليهم رسولًا بين الرسالة والنذارة، ومع هذا تولوا عنه وما وافقوه، بل كذبوه وقالوا: معلم مجنون] [٥]. وهذا كقوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (٢٣) يَقُولُ يَاليتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾، وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (٥١) وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَينَهُمْ وَبَينَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ﴾ وقوله: ﴿إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ﴾ يحتمل معنيين: أحدهما: أنه يقوله تعالى: ولو كشفنا عنكم [٦] العذاب ورجعناكم إلى الدار الدنيا، لعدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والتكذيب، كقوله: ﴿وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾. وكقوله: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ


[١]- سقط من: خ.
[٢]- سقط من: ز، خ.
[٣]- سقط من: ز، خ.
[٤]- سقط من: ز، خ.
[٥]- ما بين المعكوفتين سقط من: ز، خ.
[٦]- في ز، خ: "عنهم".