للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَقَال مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٨٨) قَال قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا﴾، وهكذا قال هاهنا: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ﴾، فعند ذلك أمره الله تعالى أن يخرج ببني إسرائيل من بين أظهرهم من غير أمر فرعون ومشاورته واستئذانه، ولهذا قال: ﴿فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ﴾، كما قال: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَينَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾ وقوله هاهنا: ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ﴾، وذلك أن موسى لما جاوز هو وبنو إسرائيل البحر، أراد موسى أن يضربه بعصاه حتى يعود كما كان، ليصير حائلًا بينهم وبين فرعون، فلا يصل إليهم. فأمره الله أن يتركه على حاله ساكنًا، وبَشَّره بأنهم جند مغرقون فيه، وأنه لا يخاف دركًا ولا يخشى.

قال ابن عباس: ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا﴾ كهيئته وامضه. وقال مجاهد: ﴿رَهْوًا﴾ طريقًا يبسًا كهيئته، يقول: لا تأمره ورجع، اتركه حتى يرجع آخرهم. وكذا قال عكرمة، والربيع بن أنس، والضحاك، وقتادة، وابن زيد، وكعب الأحبار، وسماك بن حرب، وغير واحد.

ثم قال تعالى: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ﴾ -وهي البساتين- ﴿وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ﴾، والمراد بها الأنهار والآبار، ﴿وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾، وهي المساكن الأنيقة والأماكن الحسنة.

وقال مجاهد وسعيد بن جبير: ﴿وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ المنابر.

و [١] قال ابن لهيعة، عن وهب بن عبد الله المعافري، عن عبد الله بن عمرو، قال: نيل مصر سيد الأنهار، سخر الله له كل نهر بين المشرق والمغرب، وذَلَّله له، فإذا أراد الله أن يُجري نيل مصر أمر كل نهر أن يَمُدّه، فأمدته الأنهار بمائها، وفجر الله له الأرض عيونًا، فإذا انتهى جريه [٢] إلى ما أراد الله، أوحى الله إلى كل ماء [أن يرجع] [٣] إلى عنصره.

وقال في قوله تعالى: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ﴾، قال: كانت الجنان بحافتي [٤] هذا النيل من أوله إلى آخره في [٥] الشقين جميعًا، ما بين أسوان إلى رشيد، وكان له تسعة خلج: خليج إسكندرية، وخليج دمياط، وخليج سَرْدَوس، وخليج مَنْف، وخليج الفيوم، وخليج المَنْهَى، متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء، وزروع ما بين الجبلين كله من أول مصر إلى آخر ما يبلغه الماء، وكانت جميع أرض


[١]- سقط من: ز، خ.
[٢]- في ز، خ: "جربته".
[٣]- ما بين المعكوفتين في ز، خ: "ارجع".
[٤]- في ز، خ: "حافتي".
[٥]- في ز، خ: "من".