أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا﴾. وهذا فيه جمع بين القولين، ولا منافاة، والله أعلم.
وقوله: ﴿كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا﴾، يعني كتاب أعمالها. كقوله: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ﴾؛ ولهذا قال: ﴿الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي: تجازون بأعمالكم خيرها وشرها، كقوله تعالى: ﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣) بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (١٥)﴾ ثم قال: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيكُمْ بِالْحَقِّ﴾ أي: يستحضر جميع أعمالكم من غير زيادة ولا نقص، كقوله تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (٤٩)﴾. وقوله: ﴿إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون﴾ أي: إنا كنا نأمر الحفَظة أن تكتب أعمالكم عليكم.
قال ابن عباس وغيره: تكتب الملائكة أعمال العباد، ثم تصعد بها إلى السماء، فيقابلون الملائكة الذين في ديوان الأعمال على ما بأيديهم مما قد أبرز لهم من اللوح المحفوظ في كل ليلة قدر، مما [قد][١] كتَبه الله في القِدَم على العباد قبل أن يخلقهم، فلا يزيد حرفًا ولا ينقص حرفًا. ثم قرأ: ﴿إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون﴾.