للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصالحات﴾ أي: آمنت قلوبهم وعملت جوارحهم الأعمال الصالحات، وهي الخالصة الموافقة للشرع. ﴿فيدخلهم ربهم في رحمته﴾، وهي الجنة. كما ثبت في الصحيح [أن الله] [١] قال للجنة: "أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء" (١٢).

﴿ذلك هو الفوز المبين﴾ أي: البين الواضح. ثم قال: ﴿وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم﴾ أي: يقال لهم ذلك تقريعًا وتوبيخًا: أما قُرئت عليكم آيات الرحمن فاستكبرتم عن اتباعها، وأعرضتم عند سماعها؟ ﴿وكنتم قومًا مجرمين﴾ أي: في أفعالكم، مع ما اشتملت عليه قلوبكم من التكذيب؟.

﴿وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيبَ فِيهَا﴾ أي: إذا قال لكم المؤمنون ذلك، ﴿قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ﴾ أي: لا نعرفها، ﴿إِنْ نَظُنُّ إلا ظَنًّا﴾ أي: إن [٢] نتوهم وقوعها إلا توهمًا، أي مرجوحًا؛ ولهذا قالوا [٣]: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيقِنِينَ﴾ أي: بمتحققين، قال الله تعالى: ﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا﴾ أي: وظهر لهم عقوبة أعمالهم السيئة، ﴿وَحَاقَ بِهِمْ﴾ أي: أحاط بهم ﴿مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أي: من العذاب والنكال، ﴿وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ﴾ أي: نعاملكم معاملة الناسي لكم في نار جهنم، ﴿كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾ أي: [فلم تعملوا] [٤] له لأنكم لم تصدقوا به، ﴿وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾.

وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لبعض العبيد يوم القيامة: "ألم أزوجك، ألم أكرمك، ألم أسَخِّر لك الخيل والإبل، وأذرك [٥] تَرأس وتَربَع؟! فيقول: بلى، يارب. فيقول: أفظنت أنك مُلاقيّ. فيقول: لا. فيقول الله تعالى: فاليوم أنساك كما نسيتني" (١٣).

قال الله تعالى: ﴿ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا﴾ أي: إنما جازيناكم هذا الجزاء لأنكم اتخذتم حُجَج الله عليكم سخريًّا، تسخرون وتستهزئون بها، ﴿وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ أي: خدعتكم فاطمأننتم إليها، فأصبحتم من الخاسرين؛ ولهذا قال: ﴿فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا﴾ أي: من النار ﴿وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ أي: لا [٦] منهم العُتْبى، بل


(١٢) - صحيح البخاري (٤٨٥٠) من حديث أبي هريرة.
(١٣) - صحيح مسلم (٢٩٦٨) من حديث أبي هريرة.