للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالهُمْ (٣٢) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالكُمْ (٣٣) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ ﴿فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (٣٤) فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالكُمْ (٣٥)

يخبر تعالى عمن كفر وصد عن سبيل الله، وخالف الرسول وشاقه، وارتد عن الإيمان من بعد ما تبين له الهدى أنه لن يضر الله شيئًا، وإنما يضر نفسه ليخسرها يوم معادها، وسيحبط الله عمله، فلا يثيبه على سالف ما تقدم من عمله الذي عَقّبه بردته مثقال بعوضة من خير، بل يحبطه ويمحقه بالكلية، كما أن الحسنات يذهبن السيئات.

وقد قال الإمام محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة (*): حدثنا أبو قدامة، حدثنا وكيع، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية؛ قال: كان أصحاب رسول الله يظنون أنه لا يضر مع "لا إله إلا الله" ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل، فنزلت: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالكُمْ﴾. فخافوا أن يبطل الذنب العمل.

ثم روي من طريق عبد الله بن المبارك، أخبرني بُكَير [١] بن معروف، عن مقاتل بن حيان، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: كنا معشر أصحاب رسول الله نرى أنه ليس شيء من الحسنات إلا مقبول حتى نزلت: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالكُمْ﴾. فقلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر الموجبات والفواحش، حتى نزلت: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾. فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك، فكنا نخاف علي مَن أصاب الكبائر والفواحش، ونرجو لمن لم يصبها.

ثم أمر تعالى [عباده المؤمنين] [٢] بطاعته وطاعة رسوله التي هي سعادتهم في الدنيا والآخرة، ونهاهم عن الارتداد الذي هو مبطل للأعمال؛ ولهذا قال: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالكُمْ﴾ أي: بالردة؛ ولهذا قال بعدها: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ كقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ … ﴾. الآية.


[١]- في ز، خ: "بكر".
[٢]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ.