للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختار ابن جرير أن المحروم الذي لا مال له بأي سبب كان قد ذهب ماله، سواء كان لا يقدر على الكسب، أو قد هلك ماله أو نحوه بآفة أو نحوها.

وقال الثوري، عن قيس بن مسلم، عن الحسن بن محمَّد؛ أن رسول الله بعث سرية فغنموا، فجاء قوم لم يشهدوا الغنيمة فنزلت هذه الآية: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (١٥) وهذا يقتضي أن هذه مدنية، وليس بهذلك، بل هي مكية شاملة لما بعدها.

وقوله: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ﴾، أي: فيها من الآيات الدالة على عَظَمة خالقها وقدرته الباهرة، مما قد ذرأ فيها من صنوف النبات والحيوانات، والمهاد والجبال، والقفار [١] والأنهار والبحار، واختلاف ألسنة الناس وألوانهم، وما جبلوا عليه من الإرادات والقُوَى، وما بينهم من التفاوت في العقول والفهوم والحركات، والسعادة والشقاوة، وما في تركيبهم من الحكم في وضع كل عضو من أعضائهم في المحل الذي هو محتاج إليه فيه، ولهذا قال: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾. قال قتادة: من تفكر في خلق نفسه عَرَف أنه إنما خلق ولينت مفاصله للعبادة.

ثم قال: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ﴾، يعني المطر، ﴿وَمَا تُوعَدُونَ﴾، يعني الجنة. قاله ابن عباس، ومجاهد، وغير واحد.

وقال سفيان الثوري: قرأ واصل الأحدب هذه الآية: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾، فقال [٢]: ألا إني [٣] أرى رزقي [٤] في السماء وأنا أطلبه في الأرض؟ فدخل خَربة فمكث ثلاثًا لا يصيب شيئًا، فلما أن كان في اليوم الثالث إذًا هو بدَوخَلَة (*) من رطب، وكان له أخ أحسن نية منه، [فدخل معه] [٥] فصارتا دَوخلَتَين، فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرق الموت بينهما.

وقوله: ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾، قسم تعالى بنفسه الكريمة أن ما وعدهم به من أمر القيامة والبعث والجزاء، كائن لا محالة، وهو حق لا مربة فيه، فلا [٦] تشكوا فيه كما لا تشكوا في نطقكم حين تنطقون. وكان معاذ إذا حَدث بالشيء، يقول لصاحبه: أن هذا لحق كما أنك ها هنا.


(١٥) - أخرجه الطبري (٢٦/ ٢٠٢ - ٢٠٣).
(*) الدوخلة: سقيفة من خوص كالزنبيل والقوصرة، يترك فيها التمر وغيره. النهاية (٢/ ١٣٨).