للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هي الجنوب. وقد ثبت في الصحيح من رواية شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله : "نصرت بالصبَا، وأهلكت عاد بالدّبُور" (١٧).

﴿وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ﴾، قال ابن جرير: يعني إلى وقت فناء آجالكم. والظاهر أن هذه كقوله: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَينَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ﴾ وهكذا قال ها هنا: ﴿وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾، وذلك أنهم انتظروا العذاب ثلاثة أيام، وجاءهم في صبيحة اليوم الرابع بُكرَةَ النهار، ﴿فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ﴾ أي: من هَرَب ولا نهوض، ﴿وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ﴾ أي: ولا يقدرون على أن ينتصروا [١] مما هم فيه.

وقوله: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ﴾ أي: وأهلكنا قوم نوح من قبل هؤلاء ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾. وكل هذه القصص قد تقدمت مبسوطة في أماكن كثيرة، من سور متعددة.

﴿وَالسَّمَاءَ بَنَينَاهَا بِأَيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (٤٨) وَمِنْ كُلِّ شَيءٍ خَلَقْنَا زَوْجَينِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١)

يقول تعالى منبهًا على خلق العالم العلوي والسفلي: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَينَاهَا﴾ أي: جعلناها سقفًا رفيعًا ﴿بِأَيدٍ﴾ أي: بقوة. قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والثوري، وغير واحد. ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ أي: [٢] قد وسعنا أرجاءها ورفعناها بغير عَمَد، حتى استقلت كما هي، ﴿وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا﴾ أي: جعلنها فراشًا للمخلوقات، ﴿فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ﴾ أي: وجعلناها مهدًا لأهلها، ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيءٍ خَلَقْنَا زَوْجَينِ﴾، أي: جميع المخلوقات أزواجٌ: سماء وأرض، وليل ونهار، وشمس وقمر، وبر وبحر، وضياء وظلام، وإيمان وكفر، وموت وحياة، وشقاء وسعادة، وجنة ونار، حتى الحيوانات والنباتات؛ ولهذا قال: ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، أي: لتعلموا أن الخالق واحدٌ لا شريك


(١٧) - أخرجه البخاري في كتاب: الاستسقاء، باب: قول النبي : "نصرت بالصبا" حديث (١٠٣٥) (٢/ ٥٢٠). وأطرافه في: [٣٢٠٥، ٣٣٤٣، ٤١٠٥].