للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(٤٦) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٤٧) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨) وَمِنَ اللَّيلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (٤٩)

يقول تعالى مخبرًا عن المشركين بالعناد والمكابرة للمحسوس: ﴿وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا﴾ أي: عليهم يعذبون به، لما صدقوا، ولما أيقنوا، بل يقولون: هذا ﴿سَحَابٌ مَرْكُومٌ﴾ أي: متراكم. وهذا كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾. قال الله تعالى: ﴿فَذَرْهُمْ﴾ أي: دعهم يا محمد ﴿حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾، وذلك يوم القيامة، ﴿يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيدُهُمْ شَيئًا﴾ أي: لا ينفعهم كيدهم ولا [١] مكرهم الذي استعملوه في الدنيا، لا يجدي [٢] عنهم يوم القيامة شيئًا، ﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾.

ثم قال: ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ﴾ أي: قبل ذلك في الدار الدنيا، كقوله: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾؛ ولهذا قال: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أي: نعذبهم في الدنيا، ونبتليهم فيها بالمصائب، لعلهم يرجعون وينيبون، فلا يفهمون ما يُرَاد بهم، بل إذَا جَلّى عنهم مما كانوا فيه، عادوا إلى أسوأ ما كانوا عليه، كما جاء في بعض الأحاديث: "إن المنافق إذا مرض وعُوفي مَثَلُه في ذلك كمثل البعير، لا يدري فيما عَقَلوه [٣] ولا فيما أرسلوه" (٢٦). وفي الأثر الإِلهى: كم أعصيك ولا تعاقبني؟ قال الله: يا عبدي كم أعافيك وأنت لا تدري؟


(٢٦) - أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب: الأمراض المكفرة للذنوب، حديث (٣٠٨٩) (٣/ ١٨٢ - ١٨٣).
والبغوي في شرح السنة (٥/ ٢٥٠ - ٢٥١) (١٤٤٠). كلاهما من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني رجل من أهل الشام يقال له: أبو منظور عن عمه، قال: حدثني عمي، عن عامر الرامي أخي الخضر … فذكره مرفوعًا في حديث طويل.
وأبو منظور هذا مجهول كما في التقريب. والحديث ذكره المنذري في الترغيب والترهيب، وقال: رواه أبو داود وفي إسناده رجل لم يسم. وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود برقم (٦٧٩).