يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَينَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾. اختلف الناس في هذا المقام، فذهب بعضهم إلى أنّ "ما" نافية، أعني: التي في قوله: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَينِ﴾.
[قال القرطبي: ما نافية، ومعطوف في قوله: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيمَانُ﴾ ثم قال: ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَينِ﴾ وذلك أن اليهود كانوا يزعمون أنه نزل به جبريل، وميكائيل، فأكذبهم الله، وجعل قوله: ﴿هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ بدلًا من الشياطين.
قال: وصح ذلك؛ إما لأن الجمع يطلق على الاثنين، كما في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾، أو لكونهما لهما أتباع، أو ذُكرا من بينهم لتمردهما. تقدير الكلام عنده: يعلمون الناس السحر ببابل وهاروت، وماروت. ثم قال: وهذا أولى ما حملت عليه الآية، وأصح، ولا يلتفت إلى ما سواه] [١].
وروى ابن جرير بإسناده (٥٨٨)، من طريق العوفي، عن ابن عباس في قوله: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَينِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ الآية. يقول: لم ينزل الله السحر. وبإسناده عن الربيع بن أنس في قوله: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَينِ﴾ قال: ما أنزل الله عليهما السحر.
قال ابن جرير: فتأويل الآية على هذا ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيمَانَ﴾ من السحر، وما كفر سليمان، ولا أنزل الله السحر على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر [وما أنزل على الملكين][٢] ببابل هاروت، وماروت.
فيكون قوله: ﴿بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ من المؤخر الذي معناه المقدَّم. قال: فإن قال لنا قائل: كيف [٣] وجه تقديم ذلك؟ قيل: وجه تقديمه أن يقال: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيمَانَ﴾ [من السحر][٤]، وما كفر سليمان، وما أنزل الله السحر [٥] على الملكين، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت، فيكون معنيًّا بالملكين جبريل وميكائيل ﵉ لأنّ سحرة [٦] اليهود فيما ذكر كانت تزعم: أن الله أنزل السحر على لسان جبريل، وميكائيل إلى سليمان بن داود، فأكذبهم الله بذلك، وأخبر نبيه محمدًا، ﷺ أن حبريل، وميكائيل لم ينزلا بسحر، وبرَّأ سليمان ﵇ مما