للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكرنا طرفًا من هذا في أول سورة البقرة عند قوله: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيبِ﴾.

وقوله: ﴿وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ﴾ كما قال: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ ويعني بذلك بيعة الرسول .

وزعم ابن جرير: أن المراد بذلك الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم. وهو مذهب مجاهد، فالله أعلم.

وقوله: ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾. أي: حججًا واضحات، ودلائل باهرات، وبراهين قاطعات، ﴿لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾. أي: من ظلمات الجهل والكفر والآراء المتضادة، إلى نور الهدى واليقين والإيمان، ﴿وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾. أي: في إنزاله الكتب وإرساله الرسل لهداية الناس، وإزاحة العلل وإزالة الشبه.

ولما أمرهم أولًا بالإيمان والإنفاق، ثم حثّهم على الإيمان، وبين أنه قد أزال عنهم موانعه، [] [١] حثّهم أيضًا علي الإنفاق فقال: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، [أي: أنفقوا ولا تخشوا فقرًا وإقلالًا، فإن الذي أنفقتم في سبيله هو مالك السماوات والأرض] [٢] وبيده مقاليدهما، وعنده خزائنهما [٣]، وهو مالك العرش بما حوى، وهو القائل: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ﴾ وقال: ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾ فمن توكل علي الله أنفق، ولم بخش من ذي العرش إقلالًا، وعلم أن الله سيخلفه عليه.

وقوله: ﴿لَا يَسْتَوي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾. أي: لا يستوي هذا ومن لم يفعل كفعله، وذلك [] [٤] قبل فتح مكة كان الحال شديدًا، فلم يكن يؤمن حينئذ إلا الصديقون، وأما بعد الفتح فإنه ظهر الإسلام ظهورًا عظيمًا، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، ولهذا قال: ﴿أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾.

والجمهور علي أن المراد بالفتح هاهنا فتح مكة. وعن الشعبي وغيره أن المراد بالفتح هاهنا: صلح الحديبية، وقد يستدل لهذا القول بما قال الإمام أحمد:

حدثنا أحمد بن عبد الملك، حدثنا زهير، حدثنا حُميد الطويل، عن أنس؛ قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن: تستطلون علينا بأيام سبقتمونا بها؟ فبلغنا أن ذلك ذكر للنبي فقال: "دعوا لي


[١]- في ز: ثم.
[٢]- سقط من ز، خ.
[٣]- في ز: خزائنها.
[٤]- في ز: أن.