للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل، ومن فعل ذلك بعد ذلك، وما ذاك إلا لعلمه بقصد الأول وإخلاصه التام، وإنفاقه في حال الجهد والقلة والضيق.

وفي الحديث: "سبق درهم مائة ألف" (٢٨). ولا شك عند أهل الإيمان أن الصديق أبا بكر له الحظ الأوفر من هذه الآية، فإنه سيد من عمل بها من سائر أمم الأنبياء، فإنه أنفق ماله كله ابتغاء وجه الله ﷿ ولم يكن لأحد عنده نعمة يجزيه بها.

وقد قال أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي عند تفسير هذه الآية: أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد، أخبرنا أحمد بن إسحاق بن أيوب، أخبرنا محمد بن يونس، حدثنا العلاء بن عمرو الشيباني، حدثنا أبو إسحاق الفزاري، حدثنا سفيان بن سعيد، عن آدم بن عليّ، عن ابن عمر قال: كنت عند النبي وعنده أبو بكر الصديق، وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال، [فنزل جبريل فقال: ما لي أرى ألا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال؟] [١] فقال: "أنفق ماله علي قبل الفتح". قال: فإن الله يقول: اقرأ عليه السلام، وقل له: أراض أنت عني في فقرك هذا [أم] [٢] ساخط؟ فقال رسول الله: "يا أبا بكر، إن الله يقرأ عليك السلام، ويقول لك: أراض أنت [عني] [٣] في فقرك هذا أو ساخط؟ ". فقال أبو بكر : أسخط علي ربي ﷿! إني عن ربي راض. هذا الحديث ضعيف الإسناد من هذا الوجه (٢٩).

وقول: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾. قال عمر بن الخطاب: هو الإنفاق في سبيل الله. وقيل: هو النفقة على العيال. والصحيح أنه أعم من ذلك، فكل من أنفق في سبيل الله بنية خالصة، وعزيمة صادقة، دخل في عموم هذه الآية؛ ولهذا قال: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ له﴾. كما قال في الآية الأخرى: ﴿أَضْعَافًا


(٢٨) - أخرجه النسائي (٥/ ٥٩) كتاب: الزكاة، باب: جهد المقل، من طريق عبيد الله بن سعيد عن صفوان بن عيسى عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة.
وهذا إسناد رجاله رجال الصحيح كلهم ثقات، وقد صححه ابن خزيمة (٢٤٤٣)، وابن حبان (٣٣٤٧)، والحاكم (١/ ٤١٦) على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
(٢٩) - أخرجه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (٢/ ١٠٥ - ١٠٦) في ترجمة محمد بن بابشاذ وقال: في حديثه غرائب ومناكير، وساق هذا الحديث عنه.