بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، فأعرف أمتي من بين الأمم". فقال له رجل: يا نبي الله، كيف تعرف أمتك من بين الأمم، ما بين نوح إلى أمتك؟! قال: "أعرفهم، مُجَجَّلون من أثر الوضوء، ولا يكون لأحد [١] من الأمم غيرهم، وأعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم وذريتهم" (٣٤).
وقوله: ﴿وَبِأَيمَانِهِمْ﴾ قال الضحاك: أي: وبأيمانهم كتبهم. كما قال: ﴿فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾.
وقوله: ﴿بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار﴾. [أي: يقال لهم: بشراكم اليوم جنات. أي: لكم البشارة بجنات تجري من تحتها الأنهار][٢]، ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾، أي: ماكثين فيها أبدًا، ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.
وقوله: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾. وهذا إخبار منه تعالى عما يقع يوم القيامة في العَرَصات من الأهوال المزعجة، والزلازل العظيمة، والأمور الفظيعة، وأنه لا ينجو يومئذ إلا من آمن بالله ورسوله، وعمل بما أمر الله، وترك ما عنه زجر.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبدة بن سليمان، حدثنا ابن المبارك، حدثنا صفوان بن عمرو، حدثني سليم بن عامر قال: خرجنا علي جنازة في باب دمشق، ومعنا أبو أمامة الباهلي، فلما صلّى علي الجنازة وأخذوا في دفنها، قال أبو أمامة: أيها الناس؛ إنكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات، وتوشكون [٣] أن تظعنوا منه إلي منزل آخر، وهو [٤] هذا -يشير إلي القبر- بيت الموحدة، وبيت الظلمة، [وبيت الدود][٥]، وبيت الضيق، إلا ما وسع الله، ثم تنتقلون منه إلي مواطن يوم القيامة، فإنكم في بعض تلك المواطن [حتى][٦] يغشى الناس أمر من الله، فتبيض وجوه وتسود وجوه، ثم تنتقلون منه إلي منزل آخر فتغشى الناس ظلمة شديدة، ثم يقسم النور فيعطي
(٣٤) - أخرجه الحاكم (٢/ ٤٧٨). وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي في التلخيص، وقال في الميزان: عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني المصري: هو صاحب حديث وعلم مكثر، وله مناكير.