للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المؤمن نورًا، ويترك الكافر والمنافق فلا يعطيان شيئًا، وهو المثل الذي ضربه اللَّه في كتابه، قال: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ﴾ إلى قوله: ﴿فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾، فلا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن كما لا يستضيء الأعمى بنور البصير، ويقول المنافقون للذين آمنوا: ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا [] [١]﴾. وهي خدعة اللَّه التي خدع بها المنافقين حيث قال: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾. فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور، فلا يجدون شيئًا، [فينصرفون] [٢] إليهم وقد ضرب بينهم بسور له باب، ﴿بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ … الآية. يقول سليم بن عامر: فما نزال المنافق مغترًّا حتى يقسم النور، ويميز اللَّه بين المؤمن والمنافق (٣٥).

ثم قال: حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن عثمان، حدثنا ابن حيوة، حدثنا أرطاة بن المنذر، حدثنا يوسف بن الحجاج عن أبي أمامة قال: تُبعَثُ ظلمة يوم القيامة، فما من مؤمن ولا [٣] كافر يرى [كفه] [٤]، حتى يبعثَ اللَّه بالنور إلى المؤمنين بقدر أعمالهم، فيتبعهم المنافقون فيقولون: ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾.

وقال العوفي، والضحاك، وغيرهما، عن ابن عباس: بينما الناس في ظلمةٍ إذ بعث اللَّه نورًا، فلما راى المؤمنون النور توجهوا نحوه، وكان النور لهم [٥] دليلًا من اللَّه إلى الجنة، فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا اتبعوهم، فأظلم اللَّه على المنافقين، فقالوا حينئذ: ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾، فإنا كنا معكم في الدنيا. قال المؤمنون: ﴿ارْجِعُوا﴾ من حيث جئتم من الظلمة، فالتمسوا هنالك النور (٣٦).

وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا الحسن [٦] بن علوية القطان [٧]، حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار، حدثنا إسحاق بن بشر بن حذيفة، حدثنا ابن جريح، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال: قال رسول اللَّه : إن اللَّه يدعو الناس يوم القيامة بأسمائهم سترًا منه على عباده. وأما عند الصراط فإن اللَّه يعطي كل مؤمن نورًا، وكل


(٣٥) - أخرجه ابن المبارك في الزهد (٢/ ١٠٨ - ١٠٩) (٣٦٨)، والحاكم (٢/ ٤٠٠)، والبيهقي في الأسماء والصفات (٢/ ٤٣٥ - ٤٣٦) (١٠١٥). وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(٣٦) - أخرجه الطبري (٢٧/ ٢٢٤) من طريق العوفي وهو ضعيف.