قالوا: نتعبد كما تعبد فلان، ونسيح كما ساح فلان، ونتخذ دورًا كما اتخذ فلان، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم، فلما بُعث النبي ﷺ ولم يبق منهم إلا القليل، انحط منهم رجل من صومعته، وجاء سائح من سياحته، وصاحب الدير من ديره، فآمنوا به وصدقوه، فقال [١] اللَّه ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا [اللَّهَ][٢] وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَينِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾، أجرين: بإيمانهم بعيسى ابن مريم، [نصب أنفسهم][٣][بالتوراة][٤] والإنجيل، وبإيمانهم بمحمد، ﷺ، وتصديقهم [٥]، قال: ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾: القرآن، واتباعهم النبي ﷺ، قال: ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ﴾ الذين يتشبهون بكم ﴿أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (٦٦).
هذا السياق فيه غرابة وسيأتي تفسير هاتين [الآيتين][٦] الأخريين على غير هذا، واللَّه أعلم.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا أحمد بن عيسى، حدثنا عبد اللَّه بن وهب، حدثني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العَمياء؛ أن سهل بن أبي أمامة حدثه؛ أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة زمان عمر بن عبد العزيز وهو أمير، وهو يصلي صلاة خفيفة، [][٧] كأنها صلاة مسافر أو قريبًا منها، فلما سلم قال: يرحمك اللَّه! أرأيت هذه الصلاة المكتوبة، أم شيء تنفلته؟ قال: إنها المكتوبة، وإنها صلاة برسول اللَّه ﷺ ما أخطأت إلا شيئًا سهرت عنه، إن رسول اللَّه ﷺ كان يقول:"لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم، فإن قومًا شددوا على أنفسهم فشدد عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات، رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم". ثم غدوا من الغد فقالوا: نركب فننظر ونعتبر. قال: نعم، فركبوا جميعًا، فإذا هم بديار قفر قد باد أهلها وانقرضوا وفنوا، خاوية على عروشها، فقالوا: تعرف هذه الديار؟ قال: ما أعرفني بها وبأهلها. هؤلاء [أهل][٨] الديار، أهلكهم البغي والحسد، أن الحسد يطفيء
(٦٦) - أخرجه الطبري (٢٧/ ٢٣٩)، والنسائي في الكبرى في كتاب: التفسير، باب: سورة الحديد، حديث (١١٥٦٧) (٦/ ٤٨٠ - ٤٨١). وفي إسناده عطاء بن السائب وكان قد اختلط.