فأتياه، فقال: اختارا فقد خيّرتما؛ إن أحببتما [١] معافاة الدنيا وعذاب الآخرة، وإن أحببتما فعذاب الدنيا وأنتما يوم القيامة على حكم الله، فقال أحدهما: إن الدنيا لم يمض منها إلا قليل [٢]. وقال الآخر ويحك! إني قد أطعتك في الأمر الأوّل، فأطعني الآن، إن عذابًا يفنى ليس كعذاب يبقى. فقال [٣]: و [٤] إننا يوم القيامة على حكم الله، فأخاف أن يعذبنا، قال: لا، إني أرجو إن علم الله أنا قد اخترنا عذاب الدنيا مخافة عذاب الآخرة أن لا يجمعهما علينا. قال: فاختارا عذاب الدنيا، فجعلا في بكرات من حديد في قليب مملوءة من نار، عاليهما سافلهما. وهذا إسناد جيد إلى عبد الله بن عمر. وقد تقدّم في رواية ابن جرير من حديث معاوية ابن صالح، عن نافع، عنه، رفعه. وهذا أثبت وأصح إسنادًا. ثم هو -والله أعلم- من رواية ابن عمر. عن كعب. كما تقدّم بيانه [من رواية][٥] سالم، عن أبيه. وقوله إن الزهرة نزلت على [٦] صورة امرأة حسناء، وكذا في المروي عن علي، فيه غرابة جدًّا.
وأقرب ما ورد في ذلك ما قال ابن أبي حاتم (٦٠٧)، حدثنا عصام بن رواد [٧]، حدثنا آدم، أخبرنا [٨] أبو جعفر، حدثنا الربيع بن أنس، عن قيس بن عباد، عن ابن عباس ﵄ قال: لما وقع الناس من بعد آدم ﵇ فيما وقعوا فيه من المعاصي والكفر بالله، قالت الملائكة في السماء: يارب، هذا العالم الذي إنما خلقتهم لعبادتك وطاعتك، [][٩] قد وقعوا فيما وقعوا فيه، وركبوا الكفر، وقتل النفس، وأكل المال الحرام، والزنا، والسرقة، وشرب الحمر. فجعلوا يدعون عليهم، ولا يعذرونهم، فقيل: إنهم في غيب فلم يعذروهم. فقيل لهم: اختاروا منكم من أفضلكم مَلَكَين، آمرهما وأنهاهما. فاختاروا هاروت وماروت، فأُهبطا إلى الأرض، وجعل لهما شهوات بني آدم، وأمرهما الله أن يعبداه ولا يشركا به شيئًا، ونُهيا عن قتل النفس الحرام، وأكل المال الحرام، وعن الزنا، والسرقة، وشرب الخمر. فلبثا في الأرض زمانًا يحكمان بين الناس بالحق، وذلك في زمن [١٠] إدريس ﵇ وفي ذلك الزمان امرأة حُسْنُها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب، وأنهما أتيا عليها فخضعا لها في القول، وأراداها [١١] على نفسها، فأبت إلا أن يكونا على أمرها وعلى دينها، فسألاها [١٢] عن دينها، فأخرجت لهما صنمًا. فقالت: هذا أعبده. فقالا: لا حاجة لنا في عبادة هذا فذهبا