للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فغبرا ما شاء الله] [١]، ثم أتيا عليها فأراداها على نفسها، [ففعلت مثل ذلك] [٢]. فذهبا، ثم أتيا عليها فراوداها على نفسها، فلما رأت أنهما قد أبيا أن يعبدا الصنم قالت لهما: اختارا أحد الخلال الثلاث: إما أن تعبدا هذا الصنم، [وإما أن تقتلا هذه النفس] [٣] وإما أن تشربا هذه الخمر. فقالا: كل هذا لا ينبغي، وأهون هذا شرب الخمر. فشربا الخمر. [فأخذت فيهما] [٤] فواقعا المرأة، فخشيا أن يخبر الإنسان عنهما فقتلاه، فلما ذهب عنهما السكر، وعلما ما وقعا فيه من الخطيئة، أرادا أن يصعدا إلى السماء، فلم يستطيعا، وحيل بينهما وبين ذلك، وكُشِفَ الغطاء فيما بينهما، وبين أهل السماء، فنظرت الملائكة إلى ما وقعا فيه، فعجبوا كل العجب، وعرفوا أنه من كان في غيب فهو أقل خشية، فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض، فنزل في ذلك: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾. فقيل لهما: اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة. فقالا: أما عذاب الدنيا فإنه ينقطع ويذهب، وأما عذاب الآخرة فلا انقطاع له، فاختارا عذاب الدنيا، فجُعِلا، ببابل فهما يعذبان.

وقد رواه الحاكم في مستدركه مطوَّلًا عن أبي زكريا العنبري، عن محمد بن عبد السلام، عن إسحاق بن راهويه، عن حكام بن سلم الرازي [٥]-وكان ثقة- عن أبي جعفر الرازي، به، ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. فهذا أقرب ما روي في شأن الزهرة، والله أعلم (٦٠٨).

وقال ابن أبي حاتم (٦٠٩): حدثنا أبي، حدثنا مسلم [٦] حدثنا القاسم بن الفضل الحُدَّاني [٧]، حدثنا يزيد -يعني الفارسي- عن ابن عباس قال [٨]: إن أهل سماء الدنيا أشرفوا على أهل الأرض فرأوهم يعملون المعاصي، فقالوا: يارب؛ أهل الأرض كانوا [٩] يعملون بالمعاصي. فقال الله: أنتم معي، وهم في [١٠] غيب عني. فقيل لهم: اختاروا منكم ثلاثة، فاختاروا منهم ثلاثة على أن يهبطوا إلى الأرض، على أن يحكموا بين أهل الأرض، وجعل فيهم شهوة الآدميين، فأمروا أن لا يشربوا خمرًا، ولا يقتلوا نفسًا، ولا يزنوا، ولا يسجدوا لوثن. فاستقال منهم واحد فأقيل، فأهبط اثنان إلى الأرض، فأتتهما امرأة من أحسن الناس يقال لها: مناهية.


(٦٠٨) - وقد أبطل الإمام ابن حزم قصة هاروت وماروت ورد على من ادعى شربهما الخمر وارتكابهما الزنا والقتل في كتابه الفصل (٣/ ٣٠٣ - ٣٠٨) (٤/ ٦١ - ٦٥).
(٦٠٩) - تفسير ابن أبي حاتم برقم ١٠١٥ - (١/ ٣٠٨).