وقد روى في قصة [١] هاروت وماروت عن جماعة من التابعين، كمجاهد، والسدى، والحسن، وقتادة، وأبي العالية، والزهرى، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان [٢]، وغيرهم، وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله -تعالى- والله أعلم بحقيقة الحال.
وقد ورد [في ذلك][٣] أثر غريب، وسياق عجيب في ذلك، أحببنا أن ننبه عليه. قال الإمام أبو جعفر بن جرير (٦١١) - رحمه الله تعالى-: حدثنا الربيع بن سليمان، أخبرنا ابن وهب، أخبرني ابن أبي الزناد، حدّثني هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة زوج النبي، ﷺ، أنها قالت: قدمت [عليّ امرأة][٤] من أهل دومة الجندل، جاءت تبتغي رسول الله، ﷺ، بعد موته حداثة ذلك، تسأله [][٥] أشياء دخلت فيه من أمر السحر، ولم تعمل به قالت عائشة، ﵂، لعروة: يا ابن أختي، فرأيتها تبكي حين لم تجد رسول الله، ﷺ، فيشفيها، فكانت [٦] تبكي حتى إني لأرحمها، وتقول: إني أخاف أن أكون قد هلكت، كان لي زوج فغاب عني، فدخلت على عجوز، فشكوت ذلك إليها، فقالت: إن فعلت ما آمرك به فأجعله يأتيك، فلما كان الليل جاءتني بكلبين أسودين، فركبت أحدهما وَرَكَبَتْ الآخر، فلم يكن كشيء [٧] حتى وقفنا ببابلَ، وإذا برجلين معلقين بأرجلهما. فقالا: ما جاء بك؟ فقلت [٨]: أتعلم [٩] السحر؟ فقالا: إنما نحن فتنة فلا تكفري، فارجعي، فأبيت، وقلت [١٠]: لا. قالا: فاذهبي إلى ذلك التنور، فبولي فيه. فذهبت ففزعت ولم أفعل، فرجعت إليهما، فقالا: أفعلت؟ فقلت: نعم. فقالا: هِل رأيت شيئًا؟ فقلت: لم أرى [١١] شيئًا. فقالا: لم تفعلي، ارجعي إلى بلادك، ولا تكفري فَأرْبَبْتُ [١٢]، وأبيت فقالا: اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه. [فذهبت فاقشعررت، وخفت، ثم رجعت إليهما وقلت: قد
(٦١١) - تفسير ابن جرير برقم ١٦٩٥ - (٢/ ٤٣٩ - ٤٤١). وابن أبي الزناد ضعيف.