للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وضع، وجاء النبي ليخطب فجاوز الجذع إلى نحو المنبر، فعند ذلك حَنَّ الجذع وجعل يئن كما يئن الصبي الذي يُسَكَّنُ [١]، لما كان يُسَمع من الذكر والوحي عنده. ففي بعض روايات هذا الحديث: قال الحسن البصري بعد إيراده: فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى رسول الله من الجذع.

وهكذا هذه الآية الكريمة، إذا كانت الجبال الصم لو سمعت كلام الله وفهمته، لخشعت وتصدعت من خشيته، فكيف بكم وقد سمعتم وفهمتم؟ وقد قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى﴾. الآية. وقد تَقَدم أن معنى ذلك: أي لكان هذا القرآن. وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾.

ثم قال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إلا هُوَ عَالِمُ الْغَيبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ أخبر تعالى أنه الذي لا إله إلا هو فلا رب غيره، ولا إله للوجود سواه، وكل ما يعبد من دونه فباطل، وأنه عالم الغيب والشهادة، أي: يعلم جميع الكائنات المشاهَدات لنا والغائبات عنا فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء من جليل وحقير وصغير وكبير، حتى الذر في الظلمات.

وقوله: ﴿هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾: قد تقدم الكلام على ذلك في أول التفسير، بما أغنى عن إعادته هاهنا. والمراد: انه ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع المخلوقات، فهو رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، وقد قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ﴾ وقال: ﴿عَلَيكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ وقال: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ [فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.

وقال: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾ أي: المالك لجميع الأشياء، المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة.

وقوله: ﴿الْقُدُّوسُ﴾] [٢] قال وهب بن منبه: أي الطاهر. وقال مجاهد، وقتادة: أي المبارك. وقال ابن جريج: تقدسه الملائكة الكرام.

﴿السَّلَامُ﴾ [٣] أي: من جميع العيوب والنقائص؛ بكماله في ذاته وصفاته وأفعاله.


[١]- في ز، خ: "سلب".
[٢]- ما بين المعكوفتين كذا في ز، خ: "أي المالك لجميع الأشياء، المتصريف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة. وقوله: ﴿هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ وقال: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾.
[٣]- سقط من: ز، خ.