للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالمدينة بقرب المسجد.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا محمد بن راشد المكحولي [١]، عن مكحول؛ أن النداء كان في يوم [٢] الجمعة مؤذن واحد حين يخرج الإمام، ثم تقام الصلاة، وذلك النداء الذي يحرم عنده [٣] البيع والشراء إذا نودي به، فأمر عثمان أن ينادى قبل خروج الإمام حتى يجتمع الناس.

وإنما يؤمر بحضور الجمعة الأحرار دون النساء والعبيد والصبيان، ويعذر المسافر والمريض، وقيم المريض، وما أشبه ذلك من الأعذار، كما هو مقرر في كتب الفروع.

وقوله: ﴿وَذَرُوا الْبَيعَ﴾، أي: اسعوا إلى ذكر الله واتركوا البيع إذا نودي للصلاة، ولهذا اتفق العلماء على تحريم البيع بعد النداء الثاني. واختلفوا، هل يصح إذا تعاطاه متعاط أم لا؟ على قولين، وظاهر الآية عدم الصحة كما هو مقرر في موضعه، والله أعلم.

وقوله: ﴿ذَلِكُمْ خَيرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، أي: ترككم البيع وإقبالكم إلى ذكر الله وإلى الصلاة- خير لكم، أي: في الدنيا والآخرة إن كنتم تعلمون.

وقوله: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ﴾، أي: فُرغ منها، ﴿فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾: لما حَجَر عليهم في التصرف بعد النداء وأمرهم بالاجتماع، أذن لهم بعد الفراغ في الانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله. كان عرَاك بن مالك إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد، فقال: اللهم؛ أجبتُ دعوتَك، وصليتُ فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك، وأنت خير الرازقين. رواه ابن أبي حاتم.

ورُوي أيضًا [٤] عن بعض السلف أنه قال: من باع واشترى في يوم الجمعة بعد الصلاة، بارك الله له سبعين مرة، لقول الله تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾.

وقوله: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، أي: في حال بيعكم وشرائكم، وأخذكم وعَطَائكم، اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، ولا تشغلكم الدنيا عن الذي ينفعكم في الدار الآخرة؛ ولهذا جاء في الحديث: "من دخل سوقًا من الأسواق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، [له الملك] [٥]، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير كتبَتْ له


[١]- في ز، خ: "المكحول".
[٢]- سقط من: ز، خ.
[٣]- في ز، خ: "عند".
[٤]- سقط من: ت.
[٥]- ما بين المعكوفتين سقط من: ز، خ.