للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالسيف تحت قُرط أذنيه. فقال رسول الله : "اجلس". ثم قال رسول الله : "آذنوا بالرحيل". فهجَّرَ بالناس، فسار يومه وليلته والغد حتى مَتَعَ النهار ثم نزل. ثم هَجَّر بالناس مثلها، فَصبَّح بالمدينة في ثلاث سارها من قفا المشُلّل، فلما قدم رسول الله المدينة أرسل إلى عمر فدعاه، فقال له رسول الله: "أي عمر؛ أكنت قاتلَه لو أمرتك بقتله؟ " قال عمر: نعم. فقال رسول الله : "والله لو قتلته يومئذ لأرغمت أنوف رجال لو أمرتهم اليومَ بقتله امتثلوه فيتحدث الناسُ أني قد [١] وقعت على أصحابي فأقتلهم صبرًا". وأنزل الله-﷿: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾ … إلي قوله: ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ … ﴾ الآية.

وهذا سياق غريب وفيه أشياء نفيسة لا توجد إلا فيه.

وقال محمد بن إسحاق بن يَسار (١٣): حدثني عاصم بن عُمر بن قتادة؛ أن عبدَ الله بن عبد الله بن أبيّ -يعني لما بلغه ما كان من أمر أبيه- أتى رسول الله ؛ فقال: يا رسول الله؛ إنه بلغني أنك تردد قتل عبد الله بن أبَيّ فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلًا فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمَتِ الخزرج ما كان لها من رجل أبرّ بوالده مني، إني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبيّ يمشي في الناس، فأقتله فأقتل مؤمنًا بكافر فأدخل النار. فقال رسول الله : "بل نترفق به ونحسن صحبته، ما بقى معنا".

وذكر عكرمةُ وابن زيد وغيرهما؛ أن الناس لما قفلوا راجعين إلي المدينة، وقف عبدُ الله بن عبد الله هذا علي باب المدينة، واستل سيفه، فجعل الناس يمرون عليه، فلما جاء أبوه عبد الله بن أبيّ قال له ابنه: وراءك. فقال: ما لك؟ ويلك. فقال: والله لا تجوز من هاهنا حتى يأذن لك رسول الله ، فإنه العزيز وأنت الذليل. فلما جاء رسول الله وكان إنما يسير ساقة، فشكا إليه عبدُ الله بن أبيّ ابنَه، فقال ابنُه عبد الله: والله يا رسول الله؛ لا يدخلها حتى تأذن له. فأذن له رسول الله ؛ فقال: أما إذ أذن لك رسول الله فَجُز الآن.

وقال أبو بكر عبد الله بن الزبير الحُمَيدي (١٤) في مسنده: حدثنا سفيان بن عُيَينة، حدثنا أبو هارون المدني [٢]؛ قال: قال عبد الله بي عبد الله بن أبيّ بن سلول لأبيه: والله لا تدخل المدينة أبدًا حتى تقول: رسولُ الله الأعزُ وأنا الأذل، قال: وجاء النَّبي


(١٣) - السيرة النبوية لابن هشام (٣/ ٧٦٠).
(١٤) - أخرجه الحميدي (٢/ ٥٢٠ - ٥٢١) (١٢٤٠).