للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: واتصال النفوس الناطقة بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية، لما بينهما من المناسبة والقرب، ثم إن أصحاب الصنعة، وأرباب التجربة شاهدوا أن الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرقى والدخن [١] والتجريد. وهذا النوع هو المسمى بالعزائم وعمل التسخير [٢].

(النوع الرابع) من السحر: التخييلات [٣] والأخذ بالعيون والشعبذة، ومبناه على [٤] أن البصر قد يخطئ، ويشتغل بالشيء المعين دون غيره، ألا ترى أن المشعبذ الحاذق يظهر عمل شيء يذهل أذهان الناظرين به، ويأخذ عيونهم إليه، حتى إذا استفرغهم الشغل بذلك الشيء بالتحديق و [٥] نحوه، عمل شيئًا آخر عملًا بسرعة شديدة، وحينئذ يُظهر لهم شيئًا [٦] آخر غير ما انتظروه، فيتعجبون منه جدًّا، ولو أنه سكت [ولم تكلم] [٧] بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعمله، ولم تتحرك النفوس والأوهام إلى غير ما يريد إخراجه، لفطن الناظرون لكل ما يفعله.

(قال): وكلما كانت الأحوال التي تفيد حسن البصر نوعًا من أنواع الخلل أشدَّ، كان العملُ أحسن، مثل أن يجلس [٨] المشعبذ في موضع مضيء جدًّا -أو مظلم- فلا تقف القوة الناظرة [٩] على أحوالها بكلالها، والحالة هذه.

(قلت): وقد قال بعض المفسرين: إن سحر السحرة بين يدي فرعون إنما كان من باب الشعبذة؛ ولهذا قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾. وقال تعالى: ﴿يُخَيَّلُ إِلَيهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ قالوا: ولم تكن تسعى في نفس الأمر. والله أعلم.

(النوع الخامس من السحر): الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات المركبة من النسب الهندسية؛ كفارس على فرس في يده بوق، كلما مضت [١٠] ساعة من النهار ضرب بالبوق، من غير أن يمسه أحد، ومنها الصور التي تصورها الروم والهند، حتى لا يفرق الناظر بينها وبين الإنسان، حتى يصوروها [١١] ضاحكة وباكية.

إلى أن قال: فهذه الوجوه من لطف أمور المخاييل.


[١]- في ز، خ: "الدخل".
[٢]- في ز: تسخير.
[٣]- في خ: التخيلات.
[٤]- سقط من: خ.
[٥]- سقط من ز.
[٦]- في خ: "شيء".
[٧]- ما بين المعكوفتين في ت: "وما يتكلم".
[٨]- في خ: "يحبس".
[٩]- في خ: "الباطنة".
[١٠]- في خ: "مضت".
[١١]- في خ: "يصورونها".